الجمعة، 30 يناير 2015

ديميس روسس.. رحيل أسطورة شرقية






نقلا عن العربي الجديد

لو كنت من عشاق سماعه، فلا يمكنك أبداً أن تخطئ موسيقاه، كشرقي يمكنك أيضاً بسهولة أن تكتشف مدى التقارب بين ذوقك وبين ما يقدمه، أياً كانت اللغة التي يغني بها، ربما لن تفهم الكلمات، لكنك لن تخطئ هذا الإحساس الجياش والصوت الرجولي الدافئ.
لم أتعرف إلى صوت ديميس روسس إلا في المرحلة الجامعية، في السابق كنت منشغلاً أكثر بالموسيقى العربية والمطربين العرب، في الجامعة أصبحت أسمع آخرين بينهم المطرب الأسطوري الذي رحل عن دنيانا فجر الإثنين عن 68 عاماً.
في البداية جذبتني أغنية far away، عندما سمعت مقدمتها بصحبة زميل دراسة، وقبل أن يظهر صوت المطرب سألته من صاحب هذه الموسيقى الجميلة؟ فقال مستنكراً جهلي إنه ديميس روسس طبعاً.
لم أكن أعرف الاسم سابقاً، لم أسمع له أي أغنية، كان زميلي ينظر إلي باستهجان، وكأنني بدوي قادم قبل دقائق من الصحراء الموحشة إلى قلب المدينة الكبيرة لأنبهر بأضوائها ومبانيها الشاهقة، ظل هو لفترة منشغلاً بجهلي بهذا النجم الكبير، بينما كنت أنا منشغلاً بمعرفة هذا الصوت الذي اقتحم أذني، والذي وقعت أسير موسيقاه ونبرة صوته منذ اللحظة الأولى.
بدأت أتعرف إلى صاحب الصوت وموسيقاه من خلال المجلات القديمة وحكايات الأصدقاء، لم تكن شبكة الانترنت وقتها بالقدرة التي هي عليها الآن، لم يكن بإمكاني وقتها أن أكبس عدة أزرار على محرك بحث لمعرفة كل ما أريده عن مطرب شهير بهذا القدر.


صدمات متكررة عشتها لاحقاً مع المطرب الذي عرفته متأخراً، بداية الصدمات كانت عندما شاهدت صوراً له، ما هذا الكائن العجيب، ضخم الهيئة، وجهه ممتلئ بالشعر غير المنمق، يرتدي ملابس عجيبة، ألواناً وتصميمات غير تقليدية، لم تكن صرعات الأزياء الغريبة بنفس حجم انتشارها الآن، أو ربما كانت مداركنا أقل لمعرفة ما يرتديه مشاهير العالم، فالقنوات التلفزيونية محدودة والإنترنت في بداياته الأولى، واعتمادنا الأهم على الإذاعة.
بمرور الوقت أقنعت نفسي بعدم الانشغال بوجه ولا حجم مطربي الذي بات مفضلاً، ولا بألوان وتصميمات ملابسه، أقنعت نفسي أنه من الأفضل أن أواصل مطاردته عبر الإذاعات، وألا أنشغل بمشاهدته يغني وأكتفي بسماعه.

لاحقاً ظهرت في حواراتي مع الأصدقاء عنه جدلية كونه مطرباً مصرياً، كنت سريعاً قد كونت مع سيرته علاقة ما، قرأت عنه عدة موضوعات منشورة، أستطيع مجادلة الأصدقاء والزملاء بجدية، أصبحت أعرف جيداً الكثير من أغنياته.
ظل أصدقائي يكررون أنه مصري، ويسهبون في تفاصيل قراره ترك مصر والأسباب السياسية التي أجبرته عليها، بينما يردد بعضهم أنه لو بقي في مصر لما حقق ما حققه من نجاح بعد مغادرته.
هم يكررون أنه مصري، وأنا يزيد إصراري على كون تلك المعلومة خاطئة، ما أصبحت متيقناً منه بعد تكرار الإطلاع على سيرته في مصادر مختلفة، أنه ولد في مدينة الأسكندرية شمال مصر في 15 يوليو/تموز 1946، لأب يوناني وأم تبدو مصرية لكنها إيطالية الأصل اسمها "أولجا".
الجدل لازال قائما بقوة حول والدة روسس، البعض يؤكد أنها الممثلة والراقصة المعروفة نيللي مظلوم، بينما يؤكد أخرون أن والد روسس تزوج مظلوم لفترة بالفعل، لكنها ليست والدة المطرب الشهير الراحل وإنما أنجبه أبوه من سيدة أخرى هي "أولجا" التي كانت تعمل كمطربة، بينما كانت نيللي مظلوم راقصة.
لا أبوه مصري ولا أمه مصرية، وبالتالي فهو ليس مصرياً، ربما فقط عاش لفترة في مصر وتأثر بها، لكن هذه الفترة لم تطل، حيث خرج مع عائلته من مصر عام 1956، أي أنه غادرها قبل أن يبلغ العاشرة من عمره، بعد "العدوان الثلاثي" الإنجليزي الفرنسي الإسرائيلي على مصر.
ظللت أجادل أصدقائي طويلاً في تلك الجدلية، لا هم يقتنعون، ولا أنا أكف عن محاولة إقناعهم، في العادة الشبان في تلك المرحلة العمرية يرغبون في رمز يرتبطون به، وعندما يكون هذا الرمز نجماً شهيراً فإنهم ينسجون قصصاً معظمها وهمية ويلصقونها به، وليس أفضل طبعاً من الحديث عن مطرب عالمي كبير باعتباره مصري الجنسية أو الأصل، كان اسم روسس دائماً يتكرر مع أسماء داليدا وعمر الشريف كنجوم الفن المصريين الذين وصلوا العالمية.


في تلك الفترة استغرقني الجدل حول مصرية ديميس عن الجدال مع أصدقائي حول بداياته الفنية. بدأ النجم الكبير الغناء والعزف في سن مبكرة جداً، في الخامسة عشرة بدأ يغني في الحانات لكسب عيشه، وساهم في ذلك أن أسرته كانت أسرة موسيقية، إذ كانت والدته مغنية، وفق الرائج بأنها ليست نيللي مظلوم، ووالده عازفاً للغيتار الكلاسيكي.
كان ديميس في مراهقته الأولى يتقن العزف على الغيتار والأورغ والبوق والكونترباص. وفي عام 1968 انتقل إلى باريس مع فرقة Aphrodites Child التي أسسها مع الموسيقار اليوناني فانغيليس ولوكاس سيديراس، والتي باتت فرقة شهيرة سريعاً بفضل أغنية Rain & Tears.
عندما قرر روسس الانفصال عن فرقته عام 1971 أطلق ألبومه المنفرد On The Greek Side of My Mind وحقق نجاحاً واسعاً أيضاً جعله كمطرب منفرد "سوليست" أحد أشهر نجوم العالم الذين يحققون مبيعات في تلك الفترة، تجاوزت مبيعات أسطوانات ألبومات ديميس روسوس بالإنجليزية والفرنسية واليونانية أكثر من 60 مليون نسخة.

لاحقاً تجول ديميس في أنحاء العالم وغنى في أشهر مسارح الدنيا، وبات اسمه أحد أبرز الأسماء الموسيقية العالمية، كما باتت ملابسه علامة مميزة يقلدها الشباب حول العالم، خاصة "العباءة" أو "القفطان" الذي كان يرتديه كثيراً بألوانه الزاهية القريبة الشبه من ألوان الأزياء التقليدية الأفريقية، بينما لجأ كثيرون حول العالم لتقليده في عدم الاهتمام بشكل ذقنه وتسريحة شعره، خاصة وأن فورة ظهوره تزامنت مع ستينيات وسبعينيات القرن الماضي التي ظهرت فيها تقليعات الـ"هيبيز"، وجماعات الـ"بوهيميين".




يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق