السبت، 30 مايو 2009

صدمة الجنس والدماء بين فيلمي "ضد المسيح" و"إبراهيم الأبيض"



أحدهما دنماركي والأخر مصري





اعتاد متابعو مهرجان كان السينمائي الدولي كل عام على أن يفاجئهم المهرجان العالمي الأشهر بفيلم مزعج تطلق عليه الصحف الفرنسية عادة "الفضيحة" وتتفاوت طريقة التعامل معه بتفاوت كراهية نقاد وجمهور المهرجان له ومثله اعتادت شركة جود نيوز للإنتاج سنويا تقديم فيلم تنفق عليه الملايين ويخرج جمهوره غير راض عنه في حين لم تعتد السينما المصرية أبدا أفلاما مليئة بالدماء والعنف.
السمة شبه الأساسية للأفلام "الفضيحة" في كان تتمثل في أمور محددة يأتي على رأسها زيادة جرعة الجنس عن الحد المقبول الذي ظهر جليا في فيلم "غريزة أساسية" للنجمة شارون ستون أو مشاهد الدماء وتقطيع أجزاء الجسد مثلما حدث في فيلم "كراش" أو تقديم أفكار غير منطقية أو غريبة لكن الفيلم الفضيحة هذا العام Anti Christ أو "ضد المسيح" للمخرج الدنماركي لارس فون ترايير ضم تلك السمات جميعا.
أما فيما يخص جود نيوز فالسمة الواضحة هي البذخ الشديد والدعاية التي تتجاوز كل الحدود وكأنهم يغرفون المال من المحيط التي كانت واضحة جدا في "عمارة يعقوبيان" رغم جودته ثم في "ليلة البيبي دول" فيلم الشركة الأسوأ وصولا إلى "إبراهيم الأبيض" الذي ضم الكثير من المساوئ منها جرعة الدماء الزائدة وعدم منطقية الأحداث التي تتجاوز الأفلام الهندية التي أضعفت مظاهر كثيرة لقوته بينها المعارك والديكور والموسيقى.
في فيلم "ضد المسيح" بحسب من شاهدوه في مهرجان كان وبينهم الناقد أمير العمري قصة رمزية عن أمريكا السيئة التي لا يحبها مخرجه فون ترايير ويجد أنها مليئة بالقسوة والتوحش واللا إنسانية دون أي تعمق في أسباب تلك الوحشية وهو الأمر نفسه المسيطر على سيناريو "إبراهيم الأبيض" الذي يرى أن مصر القديمة "السيدة عائشة وسور مجرى العيون وعين الصيرة" ليست إلا مستنقع للمخدرات والبلطجية.
اشترك الفيلمان في الكثير من الأمور نحاول سردها لكم ولنبدأ من مهرجان كان الذي اشترك الفيلم الدنماركي في مسابقته الرسمية وتفاوتت أراء النقاد فيه بينما نالت بطلته شارلوت جينسبرج جائزة أحسن ممثلة في حين عرض "إبراهيم الأبيض" في سوق كان بعدما دفعت جود نيوز تكلفة كبيرة لتأجير دار عرض واستضافة النجوم وكذا اختلفت أراء النقاد الذين شاهدوه هناك.
في الفيلم الأول هناك فقط شخصيتان: رجل يجسده "وليم دافوي" وامرأة "شارلوت جينسبرج" الإثنان منعزلان في بيئة متوحشة نائية داخل كوخ خشبي محاط بالأدغال التي تختبيء فيها ذئاب متوحشة والمرأة تبدو مدمرة نفسيا بسبب عجزها عن قبول فكرة الموت والرجل يحاول مساعدتها عن طريق التحليل النفسي على الخروج من أزمتها.
نعرف بعد قليل أنهما فقدا ابنهما بعد أن سقط من شرفة المسكن بينما هما مشغولان بممارسة الجنس فيتركان المدينة ويرحلان إلى الريف حيث ينعزلان في الكوخ الخشبي بحثا عن علاج نفسي للزوجة من قبل زوجها الطبيب النفساني غير أن الوسيلة العلاجية الأساسية التي تستخدم طيلة الأحداث هي الجنس فالزوجان يقومان بممارسة الجنس في كل مكان وفي أوضاع مختلفة، وبصورة وحشية خاصة من جانب المرأة التي لا يبدو أنها تشبع، فالجنس هنا ليس وسيلة للتشبث بالحياة بل وسيلة للتعجيل بالنهاية فهي عندما تشك أن زوجها سيتخلى عنها ويهرب تستخدم أقسى درجات الوحشية معه.
في الفيلم المصري هناك شخصيتان أساسيتان الأولى إبراهيم الأبيض "أحمد السقا" والثانية حبيبته "هند صبري" لكن لأننا في مصر نحب الونس لدينا شخصيتين أخريين تؤثران في الأحداث هما صديق البطل "عمرو واكد" والمعلم عبد الملك زرزور "محمود عبد العزيز" المهيمن على كل شيئ تقريبا في المنطقة التي تدور فيها الأحداث.
نعرف بعد فترة أن الحبيبان لا يمكنهما الزواج لأن الشاب بينه وبين عائلة الفتاة "حورية" ثأر كما أنه دائما مطارد من الشرطة لكن الجنس لا يغيب عن المشهد حيث يظهر في مشهد طويل يضم غزلا بين الحبيبين ينتهي بممارسة الجنس بعيدا عن الكاميرا بينما المشهد الجنسي الأبرز في الفيلم رمزي حيث تقتحم حورية منزل إبراهيم وتبدأ في التمرغ على سريره بشهوانية برعت هند صبري في تجسيدها.
في الفيلمان المرأة تحرك الأحداث تماما فالزوجة في الفيلم الدنماركي سادية تقوم بالتنكيل بالزوج لمجرد شعورها بأنه قد يتخلى عنها وتتعمد أن تؤذيه دائما بعد ممارستهما للجنس في مشاهد مليئة بالدماء لدرجة تثير القشعريرة.
نفس الأمر يحدث في الفيلم المصري فالحبيبة وراء كل ما يحدث لإبراهيم من تنكيل على يد المعلم ورجاله لأنه حسبما عرفت قتل والدها دون أن تعرف أنه قتله انتقاما من قتله لوالده وأيضا يظهر في الفيلم عشرات المشاهد الدموية جدا التي لم تعتد عليها السينما المصرية على الاطلاق والتي تجاوزت في أحيان كثيرة حدود المقبول أو المتداول حتى في أفلام الرعب الأمريكية وإن كانت تلك المعارك تم تنفيذ معظمها ببراعة.
بعد كل تلك المشاهد الدموية المزعجة يتذكر المخرجان ون درير ومروان حامد على فترات متباعدة أن الدراما هي الأساس في السينما وليس مشاهد الدماء والإنتقام فالزوج في "ضد الشيطان" ينتهز فرصة انشغال المرأة ويزحف متسللا إلى الأحراش ويختبيء في حفرة فتفاجئه ذئبة تضع مولودها بالقول بصوت بشري أجش: "الفوضى تسود" كتعبير عن مدى سوء العالم الذي يعيش فيه.
وفي "إبراهيم الأبيض" يخرج البطل من عباءة زرزور إلى غريمه الرئيسي الذي يفاجئه قبل أن يقرر التعامل معه بضرورة أن يفك طلاسم لغز يرويه له يؤكد أن الحياة لا أمان لأحد فيها وأن من يعمل في مهنتهم يجب أن يكون أخرسا.
في الفيلمان تنتهي الأحداث بمقتل المرأة في الفيلم الدنماركي على يد زوجها وفي الفيلم المصري بسبب زوجها في مشهدين يضمان المزيد من الدماء التي تغرق المكان.
كل المشاهد التي تضم دماء وأمواتا في الفيلمين نراها بشكل مباشر وبدون أي تمويه أو إيحاء وبدون استخدام زوايا تصوير جانبية، بل من خلال كاميرا مواجهة ترصد بأمر المخرج تفاصيل الحدث بكل وضوح لتحقيق أكبر قدر من الصدمة للجمهور الذي يفاجئ بانتقال الحدث من التصوير بكاميرا ثابتة إلى الكاميرا المتحركة.
"إبراهيم الأبيض" فيلم تجاري بحت يبحث صانعوه عن الإيرادات في تجربتهم الإنتاجية السابعة بعد فشل في تحقيق المال في معظم انتاجاتهم، بينما "ضد المسيح" فيلم فانتازي لا يهمه بحسب مخرجه الجمهور على الإطلاق حتى أنه قال إنه صنعه لنفسه ولا يهمه إن نجح أو فشل وهو المنطق الذي كانت جود نيوز حتى وقت قريب تتعامل مع الجمهور به قبل أن تغير توجهها وربما كان ذلك الاستثناء الوحيد في العلاقة بين الفيلمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق