كتب: سلامة عبد الحميد
بين
ما يطلبه الممولون ثم ما يطلبه المشاهدون والمستمعون.. هذا هو حال معظم وسائل
الإعلام المصرية، وكذا العربية وعادة وسائل الإعلام في العالم كله، حيث لا يوجد ما
يطلقون عليه الحياد الإعلامي إلا في خيال الكاذبين من المحللين.
يوم
أمس انطلقت جبهة إعلامية جديدة من نقابة الصحفيين المصرية تسعى لشكيل ما يشبه
نقابة للإعلاميين لحمايتهم في الأغلب من بطش الجمهور والقوانين كونهم جميعا يخطئون
قبل محاسبتهم وتقويم أداءهم حسبما أعلنت الجبهة التي ضمت اتجاهات وشخصيات كثيرة
متباينة.
لست
ضد أي تجمع أو كيان يسعى لخدمة أو تطوير جماعة أو مهنة.. بالعكس فنحن نحتاج للمزيد
من التجمعات والجبهات والكيانات بنفس القدر الذي نحتاج فيه لتطوير وتفعيل الكيانات
القائمة وعلى رأسها النقابات.
فقط
يزعجني أن مائدة جبهة الإعلاميين التي ضمت الكثير من الخاطئين والمخطئين لم تمنحني
إحساسا بأنهم جادون في تقويم الأداء الإعلامي المصري المنفلت بدرجات متفاوتة
والكاذب بدرجات متفاوتة والمضلل بشكل كبير والمكذوب عليه، سواء برضائه أو بغير
رضائه، بشكل واضح.
يزعجني
في الجبهة، رغم الإحترام لعدد ممن ضمتهم وانعدام الإحترام لأخرين ضمتهم، أن الهدف
الأوضح في التجمع كان إرسال رسالة إلى المواطن العادي تؤكد أنهم مظلومون وأن التهم
التي لابد أن تطال الكثير منهم لا يمكن إلصاقها بهم لأنهم جميعا منها براء حيث
أنهم مجبرون أو مضللون "بفتح اللام الأولى".
لا
يمكنني أن أقبل من الجبهة أن تتحدث عن برامج للمحاسبة والتقويم والتطوير قبل أن
تعلن علينا لائحة أو منظومة واضحة تحدد ما أجبر عليه أعضاءها خلال الفترة الماضية
من أكاذيب كثيرة جرى ضخها في أذن المصريين، ولائحة أخرى تحدد الجهات التي تجبرهم
على بث تلك المعلومات المكذوبة.
لكن
الأهم من كل ذلك أن يعلنوا علينا وسائل تمويل القنوات القائمة وأسماء أصحابها ومن
أين جاءت أموالهم.. ثم إلى أي مدى يتدخل أصحاب رأس المال في تلك القنوات في
السياسة الإعلامية وفي فرض وجهة نظر وتجاهل أخرى.
في
مصر الأن العديد من القنوات التي لا يمكن لأي خبير إعلامي، ناهيك عن المواطن
العادي، لا يمكنه أن يجزم باسم مالك تلك المؤسسة الإعلامية، كيف أستطيع الحكم على
مواد خبرية أو اعلامية تقدمها لي قناة لا أعرف توجهات من يمولها، وما الفارق بين
تلك القنوات مجهولة التمويل والقنوات التي يتم بثها من الخارج أو القنوات
الإسرائيلية أو العربية التي يقال إنها تضلل المصريين أو تهيج المواطنين.
يقولون
لنا إن الجزيرة والعربية ليست معبرة عن الشعب المصري ومتطلباته، ويقولون لنا إن
القنوات الأمريكية تدس الكثير من المعلومات في عقول المصريين.. بينما كل العاملين
بالإعلام يدركون جيدا أن المعلومات الحقيقية التي يصدقونها هي تلك الواردة من صحف
أجنبية لأن وسائل الإعلام في الخارج تستطيع الوصول إلى مصادر المعلومات بينما
وسائل الإعلام في بلادنا ممنوعة.
كنت
أتوقع من جبهة الإعلاميين الجديدة أن تكون أجندتها الأولى المطالبة بحقها الثابت
في حرية تداول المعلومات.. كنت أتوقع منهم أن يواجهوا أنفسهم ومشاهديهم بأنهم لا
يملكون وسيلة للحصول على معلومة حقيقية موثقة، كنت أنتظر منهم أن يعلنوا أنهم
يحصلون على معلوماتهم من مصادر غير موثوق فيها وأن بعض زملاء لهم كانوا ولازالو
يتعاملون مع جهات أمنية ومخابراتية وعسكرية بطرق ملتوية حيث يتم تسريب المعلومات
إليهم لأغراض خاصة.
لست
أعول كثيرا على جبهة الإعلاميين ولا أظن أحدا في النظام المصري الحالي سيسمح لها
بأن تقوم بأي دور ملموس في الكشف عن الحقائق أو فضح الأكاذيب أو الحصول على مساحة
من الحرية اللازمة للعمل.
اللهم
وفقهم واهدهم واهدنا معهم.. لكن لا تنسوا أن الإعلام يقدم لكم ما يطلبه منه ممولوه
فلا تلغوا عقولكم دائما وتصدقوه.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق