الأربعاء، 9 يناير 2013

خيال الشهداء على حواجز الثورة.. بين ميدان التحرير وفيلم "البؤساء"




سلامة عبد الحميد
لا أبكي عادة أثناء مشاهدتي للأفلام السينمائية مهما كان حجم المأساة فيها، وفي فيلمي الأخير "البؤساء" في دار العرض ورغم كل البؤس والأحزان والمشاهد القاتمة التي ضمها الفيلم إلا أنني لم أبك بل كنت غاية في الاستمتاع.
فجأة وفي الربع الأخير وفي مشهد محدد ضبطت نفسي باكيا بعدما ضبطت نفسي متلبسا على غير عادتي بـ"السرحان" أثناء مشاهدة فيلم جديد، وهي تهمة بلا شك لمن يشاهد ليكتب أو يحلل لا لمجرد المتعة مثلي وإن كانت المتعة عادة قائمة، وأزعم أنني دربت نفسي على عدم ارتكاب تلك التهمة حتى أصبحت قادرا على تفاديها.
كنت بدأت مرحلة الخروج من سياق الفيلم إلى الواقع مع بداية القسم الخاص بثورة الشباب في الفيلم على السلطة القمعية، مرورا باجتماعات التنسيق بين الشبان للمقاومة وصولا إلى شحذ همم الناس لمشاركتهم في الثورة على الظلم والقهر والفقر، لكن خروجي من الخيال السينمائي إلى الواقع بلغ مداه حين بدأت المواجهات حول الحاجز الذي بناه الثوار كفاصل بينهم وبين الشرطة القمعية، ما بين فترات الصمود والنصر والاندحار.
كلها مشاهد عايشتها فعليا في ميدان التحرير مع كثيرين من الرفاق والأصدقاء خلال أيام الثورة الأولى التي شهدت بطولات يمكننا أن نتجاوز إلى القول بأن الفيلم الأمريكي الذي يحكي عن الثورة الفرنسية في القرن التاسع عشر جسدها ببراعة منقطعة النظير.
ربما براعة التجسيد كانت سببا مباشرا في دخولي مرحلة "السرحان".. تحول الواقع السينمائي الذي أشاهده على الشاشة إلى شاشة أخرى في مخيلتي تستعيد وقائع وأحداث حقيقية عشتها في الميدان، ومواجهات كنت أحد من شاركو فيها، وشائعات تعرضنا لها وخيانات حيكت لنا من أشخاص كنا نظنهم جزءا منا ومؤامرات سقطنا فيها إما ببراءة أو بجهل.
لكن الجزء الأهم في التجسيد كان من خلال البطولات الكبيرة التي جرت وشاهدت عددا منها بعيني بينما حكى لي رفاق عن بعضها مما حضروه أو شاركو فيه، ثم شهداء كانو بيننا يضحكون ويمرحون ويتحركون ويثرثرون ثم غابو فجأة دون استئذان، وهو نفس ما جسده الفيلم باتقان بديع.



أظنني هنا دخلت مرحلة البكاء، وأظنني أضعت مشهدا أو اثنين بعد المشهد الذي جسده الممثل الشاب ايدي ريدماين "ماريوس" أحد شباب الحاجز الثوري والناجي الوحيد من مجزرة استشهد فيها كل الشباب.
استفاق "ماريوس" من رصاصة أصابته بعد أن حمله بطل الفيلم هيو جاكمان "جان فالجان" عبر المجارير لينقذ حياته.. عاد "ماريوس" إلى مبنى اتخذه الشباب الثوار مقرا لقيادة تمردهم على السلطة الظالمة، كان البيت فارغا مهجورا وشبه مدمرا لكنه كان يعج بأرواح شهداء كانو قبل أيام فقط يملؤنه ضجيجا وحركة وصخبا وتخطيطا واصرارا وحماسا.
تذكر "ماريوس" أصدقاءه وبدأت دموعه تنسكب وذكرياته عنهم تمر في خياله كشريط ذكريات وسط حوار غنائي معبر ومؤثر، ومعه تساقطت دموعي ومر بخيالي شريط ذكريات عن أصدقاء ورفاق فقدناهم في ميدان التحرير وعلى حواجز التأمين كانو يملئون الحياة صخبا وحركة واصرارا وحماسا.
عدت لنفسي مستفيقا لأتذكر أبطال الفيلم هيو جاكمان وراسل كرو وأن هاثاواي وأماندا سيفريد والطفل دانيال هوتليستون الذي جسد شخصية طفل الثورة الذكي "جافروش" وكلهم لهم نظراء من بين أبطالي في الحقيقة.
عندما انتبهت فجأة كررت على نفسي حكمة أرددها منذ فترة ليست بالقريبة: توقف عن اطلاق صفة "بطل" على أي بشري، فكل أبطالك باعو القضية وقرروا العمل لمصالحهم في أول منعطف. بطلك هو بطل فيلم جيد تشاهده أو بطل رواية محبوكة تقرأ فيها.. وفقط....
ويبقى المجد للشهداء....


من الفيلم


ميدان التحرير- صورة من الانترنت

ميدان عبد المنعم رياض- صورة من الانترنت


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

هناك تعليق واحد: