الجمعة، 3 يوليو 2015

عبدالرحمن الأبنودي.. تحريض ونفاق حتى الممات






أحمد الليثي- عربي 21

فتحت وفاة الشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي الباب أمام مراجعة وتقييم تاريخه ومواقفه السياسية التي اتخذها منذ ستينيات القرن الماضي وحتى رحيله.
وفارق الأبنودي -صاحب القصائد المكتوبة باللهجة المصرية، عن عمر ناهز السادسة والسبعين بعد معاناة طويلة مع المرض.
وعند تتبع تاريخه الممتد لنصف قرن تقريبا، يظهر بوضوح قدرة الأبنودي على نفاق الأنظمة العسكرية المتتابعة التي حكمت مصر، بينما جاهر بعداء الإخوان في السنة الوحيدة التي وصلوا فيها للحكم وحرض بوضوح على قتل المعتصمين في ميدان رابعة.

نفاقه لعبد الناصر
ولسنوات طويلة، مدح عبد الرحمن الأبنودي -الذي ولد في محافظة قنا جنوبي مصر- الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في عشرات القصائد ورفعه لمنزلة الأنبياء، وبرأه من الخطايا التي ارتكبها، فقال في إحدى قصائده:

عشنا الحياة وياه كالحلم 
ف بلادنا يومها انتشينا ثقافة وعلم
كنا أحرار وفي الهزيمة الشعب ما جاعش 
كان اسمها بلد الثوار وقرار زعيمها ما بيرجعش

ثم انقلب على عبد الناصر بعد وفاته، وكتب العديد من القصائد المنددة بالقمع في تلك الحقبة، حتى أنه كتب أغاني فيلم "البريء"، الذي يتناول التعذيب في معتقلات عبد الناصر، ومن بينها أغنية "طير الحق" التي يقول فيها:

محبوس يا طير الحق قفصك حزين ولعين
قضبانه لا بتنطق ولا تفهم المساجين
قضبانه لا بتعرف ولا تفهم الإنسان
ولا الحديد ينزف لو تنزف الأوطان

نفاقه لمبارك
وعلى الرغم من فساد الرئيس المخلوع حسني مبارك وقمعه للحريات، إلا أن الأبنودي لم يجد غضاضة في التغني بمآثره وكتب عنه قصيده "النسر المصري".
وخلال عهد مبارك، مارس الأبنودي "المعارضة الداجنة" التي لم تتجاوز انتقاد محافظ هنا أو وزير هناك، وحافظ على مصالحه الخاصة مع النظام حيث كان يحصل على راتب ضخم يقدر بنصف مليون جنيه شهريا مقابل كتابة قصائده في مجلة مغمورة تابعة لوزارة الثقاقة توزع مئات النسخ فقط.
كما منحه نظام مبارك جائزة الدولة التقديرية عام 2001 في إشارة واضحة لرضائه عنه.

نفاقه لثورة يناير
وبعد قيام لثورة يناير، داهن الأبنودي الثورة التي كانت صاحبة الصوت الأعلى، وهاجم مبارك بالعديد من القصائد مثل قصيدة "دولة العواجيز" التي أهداها إلى شباب الثورة.
وكحال الكثيرين من السياسيين الذي ادعو الثورية في ذلك الوقت، هاجم الأبنودي المجلس العسكري الذي حكم مصر بعد الثورة، واتهمه بقتل الثوار وكتب قصيدة "ضحكة المساجين" وأهداها إلى المعتقلين من شباب الثورة السياسيين وقال فيها:

قال الغشيم للوردة خبى اللون 
إيش يفهم الطور في هوى البساتين
الشر في طرف الميدان يِسكر والفجر يطلع 
تحجبه العسكر وأنت بتكتب سكة للجايين

لكن سرعان ما انقلب الأبنودي على شباب الثورة، الذين قال عنهم ذات يوم "الشباب البديع اللي قلب خريف مصر ربيع" فاتهمهم -في حوار تلفزيوني قبل موته بأسبوعين- بالخيانة العظمى لأنهم لا يظهرون الحزن الكافي على قتلى الجيش والشرطة في سيناء.

نفاقه للسيسي
وأعلن الأبنودي تأييده للانقلاب، وكان من أشد الداعمين لعبد الفتاح السيسي في حملته الانتخابية، وروج له على أنها منقذ مصر من "الضياع" الذي تسبب فيه الإخوان، وكتب فيه قصيدة قال فيها:

حضن عليها بجناحك واحلم لها بأعز صباح 
ونام إيديك حاضنة سلاحك للفتح يا عبد الفتاح
حقيقي مش هنتجمل ولا نجمل، وهي تايهة كما هي 
وانت قلب وروية ورؤية وحلم حرية

وتمسك الرجل بنفاقه للسيسي حتى ساعاته الأخيرة في الحياة، فقال في مداخلة تلفزيونية قبل يومين من وفاته إن السيسي هدية من السماء لإنقاذ مصر وإنه زعيم طاهر لا يختلف معه إلا أهل الباطل.

مهاجمته للإخوان
وعلى الرغم من النضال الظاهري خلال العقود الماضية ضد النظم العسكرية في مصر ودفاعه عن المضطهدين، إلا أن الأبنودي أنهى حياته بتأييد فج لأبشع نظام قمعي عرفته مصر في تاريخها الحديث، وفارق الحياة وهو غارق حتى أذنيه في نفاق قائد الانقلاب.
ويقول مراقبون إن هناك سببين وراء تفضيل الأبنودي -ومن لف لفه- للنظام العسكري، الأول هو حرصه على مصالحه الشخصية، وظهر هذا عندما أوقف علاء عبد العزيز وزير الثقافة في حكومة مرسي الراتب الضخم الذي يتقاضاه الأبنودي من وزارة الثقافة، فثار على الإخوان وهاجمهم بضراوة، ودعم اعتصاما نفذه مثقفون داخل مقر وزارة الثقافة للمطالبة بإقالة الوزير.
أما السبب الثاني للنفاق فهو عداؤه الشديد للفكرة الإسلامية، وتجلى ذلك عند وصول الإخوان أصحاب المرجعية الإسلامية للسلطة، فتخلى الأبنودي -كآلاف اليساريين والناصريين والليبراليين- عن مبادئه بعد أن أصبح بين خيارين، إما العسكر أو الإخوان، فاختار العسكر وارتمى في أحضانهم.

ومنذ فوز الرئيس محمد مرسي بالرئاسة، وهاجمه الأبنودي بضراوة، فكتب عنه بعد أقل من شهرين من توليه الحكم:

إحنا ماطردناش مبارك.. ولا حطيناه في سجن
بص في الجورنال.. مبارك نفسه.. بس طلع له دقن

وقبل الانقلاب بأسبوع واحد كتب قصيدة تطاول فيها على مرسي قال فيها:

مكانش بيبات فيها جعان دلوقتى نشفت تنشيفة
ضرايبنا رايحة على الإخوان وشبابنا مش لاقي وظيفة
كداب وصدق كدبته والكدبة مش فارقَة
حتى النفاق والخيانة يا عبيط ميت لون 
لما النفاق إتهزم حسيتوا بالحرقة

تحريضه على القتل
وعقب انقلاب يوليو 2013، دعا الأبنودي بوضوح لفض اعتصام رابعة بالقوة وقتل الآلاف، وكتب قصيدة يحرض فيها السيسي على سرعة فض الاعتصام، يقول فيها:

فرصتك بتقل.. وبيبرد الإحساس
لما أنت مش هتحل.. نزلت ليه الناس (في إشارة للتفويض الذي طلبه السيسي من مؤيديه)
 شايفنكو في المعمعة صامتين.. الصمت جايزة للقاتل
قولولنا إحنا مش لاعبين.. فالشعب يطلع وِيقاتل

وبعد مقتل الآلاف على شاشات التلفزيون، لم يرق قلب الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، بل دافع عن مذبحة فض رابعة واتهم الضحايا بأبشع التهم، بقصيدة قال فيها:

كل اللى شفناه يا سوريا وصَابنا بالحيرة
طلع كلام زور بيتكرر هنا في مصر
بلاوي سي إن إن السودا وجزيرة
شُفناه ودقناه مع القتلة في مدينة نصر (في إشارة لاعتصام رابعة)
لا مجال للفذلكة ولا للبُكا 
إحنا الأفندية نحب نكاكي (نكثر الكلام)

الجيش سندنا في الظروف المُهلكة 
فأوعى ياعم يكَرهُوك في الكاكي (اللون الشهير لملابس الجيش المصري).




يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق