الأربعاء، 6 نوفمبر 2013

سلامة عبد الحميد يكتب: مصر.. جنرالات كاذبون وشعب يحب الكذب






في أحد بيانات المجلس العسكري عقب تنحي مبارك عن السلطة وتفويض الجيش بحكم البلاد قال المشير حسين طنطاوي إنه ومجلسه العسكري، المكون من 19 عضوا من قادرة الأفرع والأركان في جيش مبارك، سيسلمون السلطة إلى رئيس مدني منتخب بعد 6 شهور.
صدق المصريون الجنرال العجوز وهللو باعتبار أن ستة أشهر في تاريخ الشعوب ومسيرة الثورات أيام معدودة، وبات هتاف "الجيش والشعب ايد واحدة" متداولا لدرجة أنه طغى على هتاف "ارفع راسك فوق انت مصري".
بعدها جرت مياه كثيرة في النهر وأحداث كثيرة في الوطن انتهت إلى رغبة طنطاوي في البقاء على رأس السلطة لسنوات، راجع صورته بالملابس المدنية وما قاله مذيع التليفزيون الرسمي وقتها عن كونه يصلح رئيسا، ثم جوقة العبيد ولاحسي البيادة التي روجت لبقاءه في منصبه رئيسا منتخبا حتى يحفظ الأمن والاستقرار وعجلة الإنتاج وغيرها من الشعارات البراقة الكاذبة.
المهم أن مجلس طنطاوي الذي عينه مبارك لإدارة البلاد، بعد ثورة قامت على مبارك في مفارقة تاريخية لن تنسى، ظل في السلطة 18 شهرا وليس ستة أشهر، ولولا الحراك الثوري المتواصل ضده في الشارع لظل موجودا حتى الأن.
لا يمكن أيضا في هذا المقام تجاهل نظرية مفادها أن مجلس طنطاوي العسكري لم يرحل أصلا ولم يسلم السلطة للرئيس المدني المنتخب من الأساس بدليل أن خيوط اللعبة كلها كانت ولازالت في يد رجاله في كل المؤسسات التي انقلبت في يوم وليلة على الرئيس المنتخب بسلاسة تؤكد لكل ذي عقل أنها لم تكن تقر بالولاء يوما لهذا الرئيس وإنما تعمل وفق أجندة معدة مسبقا من جانب المجلس العسكري الحريص بالأساس على مصالحه الإقتصادية والاستراتيجية.
الواقع أن ما يمكن تسميته تجاوزا بأنه "ثروة الجيش" تبتلع جزءا كبيرا من ثروة البلاد المفترض أن الجيش أحد مؤسساتها، والواقع أن هذه الثروة يتحكم فيها الجنرالات دون أدنى مراقبة أو متابعة من أي جهة رقابية في الدولة وأنها ترد في الموازنة العامة رقما واحدا جامدا دون أدنى تفصيل.
ما علينا.. المهم أننا عدنا مجددا لنفس الأزمة التي كانت قائمة وقت طنطاوي مع انحسار الحراك الثوري في الشارع إلا من أنصار الرئيس المعزول وغيرهم من الرافضين حقيقة لحكم العسكر وهم أقلية حتى الأن، بعكس ما كان عليه الوضع سابقا.
والأن الفريق عبد الفتاح السيسي يكرر نفس السيناريو الطنطاوي، ورغم أننا شاهدنا نفس الفيلم سابقا إلا أننا نتعامل معه باعتباره فيلم الموسم وظاهرة جديدة علينا كمصريين.
في خطاب عزل الرئيس محمد مرسي قرأ السيسي من أوراق أمامه ما قال إنه خريطة الطريق للإنتقال الديمقراطي للبلاد، وبنود الخريطة كما قرأها السيسي كانت نصا منقولا مما قاله مرسي في خطاب له قبلها بساعات، عدا أنه زيد فيها على ما قاله مرسي قرارا عسكريا بعزل مرسي.
المهم أن خريطة الطريق السيسي شددت على أنه سيتم الإنتقال إلى سلطة ديمقراطية منتخبة خلال 6 شهور، لا أدري حقيقة سر التمسك بتلك الفترة المحددة من جميع الجنرالات، الشهور الستة التي ذكرها السيسي فات منها أكثر من 4 شهور بالفعل ولم تظهر حتى ارهاصة واحدة لهذا الانتقال.
الملاحظ أن كل ما حدث أيام طنطاوي من تقديس وتمجيد للجيش وقائده ورفضه الثوار، يجري حاليا وبنشاط وصراحة أوسع مع السيسي وسط صمت مطبق من الثوار، أقصد من كانو ثوارا.
تجاوز كثيرون أو تجاهلو عمدا ما قاله شخص يزعم أنه المتحدث باسم حملة الفريق سامي عنان الرئاسية، وهي في رأيي فيلم هابط لا أكثر، الذي قال إن الانتخابات الرئاسية ستكون في عام 2016.
البعض اعتبر التاريخ المذكور ذلة لسان وأن الرجل خانه التعبير وكان يقصد عام 2014 لكن الحقيقة أن الحق جرى على لسان الرجل دون أن يدري، فلا يوجد عاقل واحد في مصر يمكنه أن يصدق أنه في ظل هذه الأوضاع السياسية والأمنية يمكن أن تجري انتخابات رئاسية خلال العام القادم. وكل هذا أصلا إن كان مطروحا الأن إجراء انتخابات أو أن السيسي سيقرر ترك السلطة وهذا أمر مستبعد لأن فيه مخاطر لا نهائية على سمعته وبقاءه وربما حياته.
دعك من تطور الأمور وصولا إلى انقلاب عسكري على الانقلاب، أو انقلاب ناعم على الانقلاب، أو سقوط الانقلاب من أساسه وعودة مرسي، أو سقوط الانقلاب وتولي أخرين حكم البلاد، وكلها وغيرها أمور ممكن حدوثها وشروط وقوعها متوافرة.
لكن الواقع أنه لا السيسي الأن بات صالحا لحكم مصر تحت أي ظروف سياسية أو إجتماعية، ولا مرسي بات قادرا على العودة للحكم تحت نفس الظروف، وإنما تنتظر مصر خلاصا أخر ليس معروفا بعد أو ربما كان معروفا لكنه ليس معلنا أو بالمعنى الأدق ليس الوقت مناسبا للإعلان عنه.
الأهم وخلاصة كلامي أنه رغم كل ما شاهده المصريون على مدار السنوات الثلاث الأخيرة من أحداث ومشكلات ومؤامرات وفضائح لازال المواطن المصري حريصا على أن يخدعه أحدهم بشعارات جوفاء فارغة وأكاذيب يتم ترديدها على مسامعه فيصدقها دون أن يعمل فيها عقله للحظات ليكتشف أنها مخالفة للمنطق أصلا.

تلك هي المشكلة الأساسية التي يجب أن يتم تجهيز المجتمع المصري للثورة عليها، ثورة حقيقية وليس نصف ثورة كما جرى في يناير 2011، إذا ما رغبنا في أن ينصلح حال مصر أصلا.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق