لا تعرف معاجم اللغة العربية لفظ "مُحْن"، هي عادة تحيلك إلى "مِحَن"، والتي تعني البلاء والشدة والكرب، أو مَحَنَ وهي تعني جَرب أو عذب، بينما نحن هنا نتحدث عن شأن أخر تماما.
ما نتحدث عنه توصيف لفظي شائع في اللهجة المصرية الدارجة، والتي يقال لها اصطلاحا "العامية المصرية"، وبينما هي مفهومة لكثير من متحدثي العربية لأسباب لها علاقة بالثقافة والفنون على الأغلب، إلا أن كثيرا من ألفاظها الخاصة، مثل "مُحْن"، لا يعرفها إلا من عاش في مصر، أو عايش مصريين، شريطة أن يكونو من الحرصاء على الحديث بلهجتهم، الواقع أن البعض يتفاخر بها، وآخرون يتنكرون لها.
في الفترة الأخيرة، بات الحديث عن الـ"مُحْن" شائعا، وبات العرب، في معظمهم يعرفون اللفظة ويتداولونها بينهم، بل إن بعضهم بات يستخدمها كمفردة طبيعية مفهومة.
الـ"مُحْن" وفقا للهجة المصرية يعني التكسر أو التزلف في الكلام بطريقة تخرجه عن الجدية، أو ربما اظهار الرقة في مواضع تستلزم الشدة، أو لجوء أشخاص يفترض بهم الخشونة إلى "المياصة"، وهي لفظة مصرية أخرى معبرة.
والـ"مُحْن" من الأمور التي يخشى الرجال أن يوصفوا بها، ويرون أنها تليق أكثر بالنساء، كما تكره النساء أن يوصفن بها، وترين أنها تليق أكثر ببائعات الهوى.
ولازالت معظم المجتمعات العربية، تعاني وصف الرجال بأوصاف النساء، كنوع من الإهانة، ولازالت تصف النساء اللاتي يراد الإشادة بهن بأوصاف رجالية من عينة "ست بمئة رجل"، وغيرها.
الواقع أن الـ"مُحْن" في المجتمع المصري عادة قائمة، وربما تكون محاولات انكاره المستميتة فاشلة، وفي حين يظل "مُحْن" النساء مستساغا، خاصة لو مورس على أزواجهن أو أحبتهن، يظل ضبط الرجال متلبسين بالـ"مُحْن" مخزيا، ويمكنه أن يلحق بالرجل المذلة طوال عمره.
ويقبل المجتمع من المرأة، ربما على مضض، بعضا من الـ"مُحْن"، لكنه ينفر بشدة من "مُحْن" الرجال.
ويتهم الرجال المتلبسين بالـ"مُحْن"، بتهم أخلاقية عادة، وينظر إليهم باعتبارهم غير منضبطين جنسيا، ووصف رجل بالـ"ممحون" يمكن أن يثير عراكا أو قطيعة، وقد يدمر سمعته ويطال سمعة عائلته كلها.
رغم كل ذلك، يظل الـ"مُحْن" موجودا، ونظل نرصد رجالا "ممحونين" من حولنا، بل إن بعضهم يحكموننا.
والحاكم "الممحون" أيضا، ليس ظاهرة جديدة، وإن كان أحدهم تجاوز حدود المقبول فلا يعني هذا أنه الأول من نوعه، والواقع أن كل الحكام في العالم يملكون بعضا من الـ"مُحْن"، يستخدمونه في أوقات محددة، لكن بعضهم يتجاوز إلى مرحلة أن يصبح الـ"مُحْن" أسلوب حياته وحكمه، وهنا تبدأ الأزمة.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق