تصوير (ديفيد ديجنر) |
يحدثونك
ليل نهار عن الدولة، بينما هم يتعاطون مع الحكم بطريقة "الخرابة"، تسمع الكثير
من الضجيج عن الهيبة والسيادة، بينما لا تخطأ عين عاقل، أو حتى نصف عاقل، حالة الترهل
والبلاهة والفشل القائمة، يكررون مطولا حديثا ممجوجا عن القانون، بينما الواقع أن البلطجة
باتت قانون البلاد.
تتراجع
المعاني في مصر منذ عصر الديكتاتور جمال عبد الناصر بوتيرة متسارعة إلى حد مرعب، قام
الضباط بثورة على الملك لتخليص البلاد، كما قالو وقتها من الفساد، لكنهم في طريق إزالة
الملكية أزالوا الديمقراطية أيضا، كانت مصر بلد الأحزاب السياسية والبرلمانات، فاستحالت
بلد الزعيم الحاكم، وكان للطلاب والعمال والطبقة الوسطى حراك واضح يتنامى في عهد الملكية،
فبات الوضع خاضعا لكذبة كبيرة رائجة شعارها "لا صوت يعلو على صوت المعركة".
كان
التعليم جيدا، والمتعلمون مثقفون بحق، فبات التعليم منهارا والمتعلمون جهلاء، كان الاقتصاد
قويا، حتى وإن تملكته فئة صغيرة من الشعب يمثلها الأثرياء والباشاوات والإقطاعيين،
فانهار بعدما تملكته طبقة جديدة من الضباط والانتهازيين.
في
العقد الأول من عصر عبد الناصر، عاشت البلاد على ميراثها المتراكم من التنمية والثقافة
والتقاليد، وبحلول عصر السادات ظهرت المفارقات واضحة، والأزمات جلية، وبات الانفتاح
الاقتصادي المزعوم شعارا يلوكه الحاكم لسرقة المزيد من مقدرات الشعوب.
جاء
عصر مبارك ليقضي على البقية الباقية من الإمكانات والآمال، كان التعليم قد انهار بشكل
كامل، والصحة في أسوأ أحوالها، والحياة السياسية شبه متوقفة، والأحزاب كارتونية أو
موالية للسلطة، وتغلل الضباط في كل المجالات قد بلغ مداه، مع ظهور طبقة جديدة من الإقطاعيين
والأثرياء الذين يطلق عليهم رجال الأعمال.
جاءت
ثورة يناير 2011 بحلم تغيير هذا الميراث الطويل من الفشل والفساد والاستبداد، ربما
حملت تطلعات مبالغ فيها، لكن الواقع أنها كانت مثل سابقتها يوليو 1952 (شخصيا أعتبر
حركة الضباط في 1952 انقلابا على نظام الحكم القائم) مسيرة من قبل الجيش الذي كانت
له المزيد من الأطماع في البلاد، في ظل تنامي دور الشرطة في العقدين الأخيرين من حكم
مبارك، وتزايد سطوة رجال الأعمال المقربين منه.
حلم
يناير 2011 لم يستمر طويلا، بالأحرى تجاوز الفترة التي كانت مخططة له عسكريا، انفلت
المشاركون فيه بعض الشيء وظنوا أنهم أصلحوا الأوضاع، أو على وشك إصلاحها، قبل أن يوقظهم
انقلاب الثالث من يوليو 2013 من سباتهم العميق على الحقيقة.
نحن
الآن في دولة العسكر الصريحة، الحكايات لا يمكن تصديقها، والقصص يعجز الراصد عن حصرها،
والفشل "على عينك يا تاجر"، والسفاهة هي الوضع الشائع، بينما الحديث عن الدولة
أو الهيبة ضرب من الهزل.
يقف
السفاح منتفشا متفاخرا، ظنا أنه انتصر، بينما يحاك له في الخفاء الكثير، والعد العكسي
لبقائه متواصل، لكنه رغم ذلك ينكر كل هذا اعتمادا على نظرية خاصة رمزها الأوضح رئيس
نادي الزمالك، مرتضى منصور.
مرتضى
منصور لا تستطيع أن تجزم إن كان مستشارا، لا شيء في هذا السياق واضح، وهو محام
مشهور بالتصدي للقضايا الصعبة، ولديه قدرة خاصة على إنهاء القضايا بعيدا عن
القانون.
ومرتضى
رئيس النادي الرياضي الكبير في القاهرة، لا أحد يعلم أسباب رئاسته للنادي، فلم يكن
يوما رياضيا، يهاجم ويشتم ويتجرأ على كثيرين، لكنه يظل عصيا على المساءلة القانونية،
يرتكب يوميا ما يمكن اعتباره جرائم يعاقب عليها القانون، لكنه لا يعاقب، يتورط في الكثير
من المشكلات، يتضح فيها أنه ليس على الحق، لكنه رغم ذلك ينفذ ما يريد.
هكذا
يفعل العسكر، إنها البلطجة سبيل السلطة الأنسب، لست في دولة وإنما في خرابة، والقوة
هي قانون الخرابة الأول.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق