لم
تترك كلمات مقدم البرنامج الحواري من على قناة موالية للحكومة أي مجال النقاش. الرئيس
عبد الفتاح السيسي هو مصر، وأضاف مقدما الوعظ لمشاهديه- خلال برنامجه على قناة روتانا
مصرية- إن الوقوف ضد الوطن - يقصد السيسي- في هذا الوقت خيانة؛ "فإما أن نكون
مع السيسي أو ضد مصر".
وقال
إن كل من لديه مشكلة في هذا البلد عليه أن يحمل جواز سفره ويرحل. وأردف ان ليس من حق
أحد التذمر أو التشكي من رفع الأسعار او انقطاع التيار الكهربائي أو أي مشاكل أخرى.
وبعد
عام على تولي الجنرال، الذي تحول الى السياسة، السلطة إثر فوز كاسح في الانتخابات،
أغلق السيسي المجال السياسي وبات يدير البلاد ك "عرض لرجل واحد"، بعيدا كل
البعد عن صراخ الملايين المطالبة بالديمقراطية عندما أطاحت بالرئيس المستبد محمد حسني
مبارك في انتفاضة مذهلة عام 2011.
وفي
بلاد يسكنها 90 مليون نسمة، تخلوا مصر من برلمانها منذ عام 2012، الأحزاب السياسية
ساكنة، والانتخابات البرلمانية أجلت مرارا ما يعني انعدام وجود سجال سياسي حقيقي. القوانين
تصدرها الرئاسة فحسب. الشرطة والأجهزة الأمنية تعمل بدون محاسبة تقريبا ضد المعارضين
او ضد كل من تسول له نفسه الانخراط في نشاط سياسي غير مرحب به.
ناشطون حقوقيون يتحدثون عن عودة التعذيب وسوء المعاملة
والاعتقال التعسفي بما يتجاوز عهد مبارك. وثمة قانون صارم ضد التظاهر يجرى العمل به
منذ أواخر عام 2013 ما أسكت كل نسمة معارضة. يساند القضاء المصري عنف الأجهزة الأمنية
على نحو لم يشاهد أيام مبارك.
المحاكم أصدرت أحكاما جماعية بالإعدام - نحو
1500 حكم بالإعدام حسب بعض التقديرات - ضد الإسلاميين والآلاف يرزحون في السجون منذ
ما يقرب من عامين في حملة قمع جماعة الإخوان المسلمين. مئات العلمانيين واليساريين
والناشطين المنادين بالديمقراطية يقبعون أيضا في السجون، بعضهم صدرت بحقه أحكام بالسجن
لفترات طويلة حتى وان كان قد شارك في تظاهرة سلمية صغيرة.
كتب
المحلل السياسي عبد الله السناوي في عمود للرأي الأسبوع الماضي منتقدا بقسوة حكم السيسي
قائلا "لا أحد الآن على يقين أننا في الطريق الصحيح أو أن هناك أملا يرتجى في
نهاية النفق الطويل." وكتب السناوي ان السيسي "لا يملك عصا موسى لحل المشكلات
المستعصية مرة واحدة"، ولكن قال إن السيسي يتعين أن يفعل المزيد للنأي بنفسه عن
عهد مبارك.
وأشار
إلى كيفية أن رجال أعمال عهد مبارك استعادوا نفس القوة والافلات من العقوبة التي كانوا
يتمتعون بها في عهد الرئيس الاسبق. وأصبح السيسي الشخص القوي في مصر عندما قاد الجيش
من موقعه كوزير للدفاع في يوليو / تموز 2013 للإطاحة بمحمد مرسي أول رئيس يتولى السلطة
في انتخابات حرة ونزيهة، وذلك بعد احتجاجات شعبية ضد مرسي والهيمنة السياسة للإخوان
المسلمين. وتبع ذلك حملة دموية قتل فيها الاف الاسلاميين.
وتعهد
السيسي، الذي أشاد به الكثير من المصريين "لإنقاذ" البلاد من الاخوان، من
البداية بتحقيق الامن واصلاح الاقتصاد، وأعلن مباشرة ان المطالبة بالحقوق والنقاشات
السياسية التي لا ضرورة لها لن يكون مسموحا لها بتقويض هذه الاهداف. وقفزت به الرسالة
الى الرئاسة في انتخابات وتم تنصيبه في الثامن من يونيو / حزيران 2014.
وعلى
ما يبدو فإنه مازال يستمتع بشعبية واسعة بين قطاعات كبيرة من السكان ينظرون إليه على
أنه الشخص الوحيد القوي بما يكفي للقيادة. أما التذمر الذي أصبح علنيا فهو يأتي إلى
حد كبير من مؤيدين مثل السناوي الذين يحذرونه أنه بحاجة إلى اظهار التقدم والتغيير.
يجادل البعض حول ما إذا كان السيسي يدعم اسكات المعارضة
أو أنه لا يمكنه أن يفرض ارادته على مراكز القوى العديدة في الدولة المصرية التي يحتاج
الى دعمها والتي لديها جداول أعمالها الخاصة مثل القضاء والاعلام ورجال الاعمال الاثرياء
والوكالات الامنية.
وقال
عنوان عمود هذا الأسبوع لإبراهيم عيسى وهو معلق بارز مقرب من الحكومة إن "أجهزة
الدولة هي أكثر معارضي السيسي قوة وخطرا عليه". وكتب عيسى في صحيفة المقال
"ما يقوله الرئيسي شيء وما يحدث في الواقع شيء آخر".
تمكن
السيسي من الاتيان ببعض مؤشرات التحسن للاقتصاد. وتحسنت علاقة مصر مع الولايات المتحدة
واوروبا بعد فترة من التوتر، وهو تغير ينسب إلى حد كبير إلى موقف السيسي ضد التشدد
الاسلامي في المنطقة. كذلك اقتربت مصر في عهد السيسي أكثر من السعودية والامارات العربية
المتحدة والكويت مما أتاح لها مليارات الدولارات من المعونات التي تعد في أمس الحاجة
إليها. أما الأمن فهو الجانب الأكثر صعوبة، حيث يقاتل الجيش والشرطة متشددين اسلاميين
يتمركزون في شبه جزيرة سيناء الاستراتيجية، كما تقع الكثير من التفجيرات، عادة صغيرة
ولكنها أحيانا ما تكون مميتة ضد قوات الامن في القاهرة واجزاء اخرى من البلاد.
وأطلقت
"الحرب على الارهاب" أيدي وكالات الامن الى حد كبير كما تغذي الرسالة الشاملة
في محطات التلفزيون بأن الوقت ليس مناسبا للمعارضة. يقوم المؤيدون في وسائل الاعلام
بشيطنة المنتقدين وتخويفهم حيث يتهمونهم بالخيانة وانهم يتلقون اموالا من قوى اجنبية.
وبثت
محطة تلفزيون خاصة تسجيلات لمكالمات هاتفية من قبل النشطاء السياسيين والمدافعين عن
حقوق الانسان، من الواضح أنه تم تسريبها من مسؤولي الأمن، بهدف تشويه سمعتهم.
أما
المنظمات غير الحكومية، التي كان متاحا لها مساحة نسبية من العمل في ظل مبارك، فتخضع
الان لتدقيق أمني شديد وتوقفت عن أنشطتها المثيرة للجدل كما غادرة العديد من منظمات
حقوق الانسان الدولية البلاد.
خلال
الأسبوعين الماضيين، مثل المحامي الحقوقي البارز نجاد البرعي مرتين أمام جهات التحقيق
لأنه ونشطاء آخرون صاغوا قانونا مقترحا لمناهضة التعذيب وأرسلوه إلى مكتب السيسي للنظر
فيه. وتوقع البرعي اتخاذ السلطات القضائية اجراءات تأديبية ضد اثنين من كبار القضاة
تمت استشارتهما في صياغة هذا القانون المقترح. وأضاف "مأزقنا شديد. في مصر، الجريمة
الوحيدة التي ترتكب بدون عقاب هي التعذيب".
وطالب بعض مؤيدي السيسي بإلغاء أو تعديل قانون مناهض
للتظاهر، ينص على ضرورة حصول أية تظاهرة على موافقة مسبقة من قبل الشرطة.
يتمسك
السيسي بالقانون، فيما يرى مؤيدو القانون أنه يضع حدا للاحتجاجات المتواصلة التي عطلت
الحياة منذ عام 2011.
وبعدما
قضت محكمة مؤخرا ببراءة نادرة لمجموعة من النشطاء الذين واجهوا اتهامات بموجب هذا القانون،
طعن الادعاء على الفور على الحكم في استعراض لسياسة عدم التسامح التي تنتهجها السلطة
المصرية. وكانت السلطات قد وجهت اتهامات للنشطاء بسبب تجمع صغير في القاهرة في يونيو/
حزيران شهد مقتل الناشطة المصرية شيماء الصباغ- وهي أم شابة- برصاص الشرطة.
ويقول
محمد عبد العزيز، الذي يمثل المتهمين "هناك ميل دائم للوصول إلى حكم بالإدانة
وليس البراءة". وفي ممارسة لمزيد من ترهيب وترويع النقاد، يحقق الادعاء حاليا
بقوة مع أية شكوى يتقدم بها مواطنون ضد الأشخاص الذين يشتبه بدعمهم للإسلاميين والذين
ينتقدون القضاء أو الرئاسة أو الدين، وجميعها أعمال يعتبرها النظام جنائية. رفع علامة
رابعة التي ترمز إلى تأييد جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي والتي أصبحت
محظورة الآن ومصنفة بأنها جماعة إرهابية- قادت الكثيرين إلى محاكمات وعقوبات بالسجن.
ومع
سلطة مهتمة بإظهار دعمها للتقوى العامة حتى مع تضييق الخناق على الإسلاميين، فإن الكتابة
باستخفاف عن الإسلام أو إبداء آراء إلحادية على الانترنت، هي أيضا أسباب للاعتقال في
مصر.
يغذي
السيسي المشاعر القومية مع لمسات شخصية من جانبه. فشعاره "تحيا مصر" كثيرا
ما يختتم خطبه، ورسم على طائرته الرئاسية. ورد الصحفيون المصريون الذين كانوا يرافقونه
في زيارته الأخيرة لألمانيا على دفاعه عن عقوبات الإعدام التي صدرت بحق إسلاميين بموجة
تصفيق، وهتفوا " تحيا مصر" لمواجهة طالبة محجة كانت تهتف "إنه قاتل"
في إشارة إلى السيسي، وذلك خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع المستشارة الألمانية أنغيلا
ميركل.
وفي
اجتماعه مؤخرا مع قادة الأحزاب، قال السيسي إن الانتخابات البرلمانية ستعقد نهاية العام
الجاري، وفقا للمتحدث باسمه. غير أنه أخبر هؤلاء القادة بأنه يريد أن يدعم ائتلاف يضم
جميع الأحزاب، في إشارة إلى أنه لا يريد أن يرى كتلة معارضة في البرلمان المقبل.
وفي
مقال حديث، قال أحمد عبد ربه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة "لقد اختفت
المؤسسة التشريعية في البلاد، وتجمد النشاط السياسي ولم يتبق في المشهد سوى الرئيس".
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق