* سلامة عبد الحميد
أثار مهرجان أبوظبي السينمائي الجدل مجددا بعد اتهامه بكونه بابا خلفيا لتمرير السينما الإسرائيلية أو استضافة إسرائيليين أو متعاطفين مع الكيان الصهيوني ضمن فعالياته ولو بطريق غير معلن حتى بات المهرجان- ربما دون قصد- موصوما بالتطبيع أو مشكوكا في نوايا إدارته تجاه تلك القضية.
المثير في الأمر أن البعض يدافع عن المهرجان بصورة هستيرية ويطلق الإتهامات في كل الإتجاهات دون تعقل، حتى أصبحنا جميعا متهمون بالعمل على تشويه المهرجان رغم أن أيا ممن يعملون في الصحافة ومن يكتبون عن الفنون وفيها حريص على ظهور مهرجانات جديدة خاصة لو كانت تلك المهرجانات تتوفر لها ميزانيات كبيرة تتيح لها استضافة نجوم كبار وإحضار أفلام حديثة.
والأكثر إثارة أنه منذ ظهور الإتهام للمهرجان بالتطبيع على خلفية منح جائزة الجمهور للمنتجة البريطانية ليسلي وودوين التي فاجئت الجميع في ندوة تخصها بافتخارها بأنها إسرائيلية، منذ حدوث ذلك لم يصدر عن المهرجان كلمة واحدة تنفي الواقعة بما يعني أنها حدثت بالفعل حتى ولو لم يحضرها كل الصحفيين والنقاد العرب الذين حضروا المهرجان، وغيابهم للأسف يعني أنهم قرروا تحويل المهرجان إلى نزهة وتركوا عملهم الذي سافروا لأجله.
يدهشني موقف المهرجان الصامت، فمنذ الدورة الأولى وهو متهم بالتطبيع، ومنذ تولى بيتر سكارليت مسئولية إدارته والتهمة تزيد كون الرجل "متهم" بمحاباة إسرائيل وكثيرون يؤكدون أن طاقم المهرجان يضم عددا من اليهود، ولن نخلط بين اليهودي والإسرائيلي لكننا نطالب المهرجان باتقاء الشبهات التي تضعه في موقف يحرجه ويحرجنا جميعا كعرب.
ولا أدري إن كان صمت المهرجان نوع من التعالي أو أنه أسقط في يد منظميه، لكني أخشى أن يكون تركه أمر الرد لعدد ممن ليس لهم الحق في الرد يمثل إهانة لإتحاد النقابات الفنية المصري الذي لو قاطع بالفعل لخسر المهرجان الكثير من بريقه بسبب غياب النجوم المصريين.
وخلال الأيام الماضية دأب عدد قليل من النقاد والصحفيين على الدفاع عن المهرجان، وهم معذورون لأنهم متهمون ضمنا بالتطبيع بعدما سكتوا بلا مبرر عن الواقعة التي شهدها المهرجان وبالتالي فهم يدافعون عن أنفسهم أولا قبل المهرجان.
والمصريون منهم يواجهون مخاوفهم من التحقيق معهم في نقابة الصحفيين التي أصدرت إحدى لجانها توصية بضرورة مثولهم للتحقيق منددة بصمتهم على الواقعة وعدم انسحابهم من المهرجان فور علمهم بها تطبيقا لقرارات ملزمة لنقابتهم.
في مصر تحديدا وبعيدا عن الموقف الحكومي المتعاون مع إسرائيل وهو أمر يمكن الحديث عن مثله في دول عربية عدة تتعاون في السر أو العلن، وباعتبار أن مصر باتت المتهم الأول في قضية الهجوم على مهرجان أبوظبي، ترفض كل الكيانات الفنية والثقافية كل أشكال التطبيع ويعتبر حضور فيلم مشكوك في انتماءه أو حتى ميول أحد صناعه تجاه اسرائيل كارثة كبرى وكلنا يذكر جيدا ما تعرض له فنانون بينهم عمرو واكد وخالد النبوي في هذا الإطار.
لكن ما يدهشني فعلا هو قدرة الزميل أحمد عاطف على التلون، فبعدما أثار أزمة كبرى في مهرجان ينظمه المركز الثقافي الفرنسي في مصر واتهمه بالتطبيع قبل أقل من عام نجده اليوم يدافع عن واقعة مماثلة تقريبا حدثت في مهرجان أبوظبي ويصب غضبه على أخرين انتقدوا المهرجان ويؤكد أن لهم مصالح في الهجوم.
ويلفت عاطف النظر إلى تسبب فيلم "اللعبة العادلة" في الأزمة رغم أنه لا علاقة للأزمة به، لكنه أيضا يؤكد أن الفيلم عرض في مهرجان كان بلا ضجة تذكر متناسيا أن صحيفته "الأهرام" هاجمت الممثل المصري خالد النبوي لمشاركته في الفيلم مع ممثلة يهودية، ومتجاهلا أن مهرجان كان ليس مهرجانا عربيا بينما أبوظبي مهرجان عربي يقام في بلد عربي.
أما الزميلة علا الشافعي التي استنكرت ما كتبناه واتهمت عدد من النقاد العرب المرموقين بأنهم أصحاب مصالح بلا مبرر مقبول فإن الواقع يؤكد أنها صاحبة المصلحة وليس نحن، كما أن حديثها عن ممارسة (ألف باء) مهنة الصحافة وهو التأكد من المعلومة ومصدرها وحق الطرف الآخر فى الرد حسب قولها لهو أمر أكثر دهشة حيث أن صحيفتها "اليوم السابع" كانت بين أوائل الصحف التي كتبت عن الواقعة الخاصة بالمنتجة الإسرائيلية دون أن نسمع من الشافعي كلمة واحدة وقتها.
لكنها فيما يلي في مقالها المنشور تمنحنا مبررا لدفاعها عن مهرجان أبوظبي وهو مبرر شخصي بحت مفاده أنها لم تكن تتوقع أن يتم المطالبة بالتحقيق معها ومع الزملاء الذين حضروا معها المهرجان من الصحفيين المصريين.
في ردي هنا أناقش مواقف الصحفيين كوني صحفي مثلهم ولا علاقة لي بمواقف النقاد كون نقادا مصريين وعرب كبار أدلوا بدلوهم في الأمر بما يكفيني عناء مناقشتهم، لكني وإن كنت أجد مبررا لعاطف والشافعي إلا أنني لا أصدق حتى اليوم "المزحة" الكبيرة التي أطلقها الزميل محمد الحمامصي والخاصة بالغيرة، والتي يؤكد فيها أن الهجوم المصري على مهرجان أبوظبي مبعثه "غيرة" من نجاح الأخير يعاني منها بلد ينظم مهرجان اسمه مهرجان القاهرة السينمائي.
في البداية اعتبرت ما قاله الزميل مزايدة تجاوزت الحد من مصري حضر المهرجان الإماراتي ويحرص على استمرار حضوره، ثم بعد فترة تيقنت أنها "هزلية" إذ أن اتهام مهرجان عمره 34 عاما يقام في مدينة مثل القاهرة في بلد مثل مصر عرف السينما منذ نشأتها قبل أكثر من 100 عام بالغيرة من مهرجان عمره فقط 4 سنوات في بلد يتحسس خطاه نحو السينما منذ أقل من 5 سنوات لهو أمر هزلي تماما.
لست هنا أقلل من قيمة المهرجان الإماراتي الطموح ولا أمجد في المهرجان المصري المتكاسل، لكن المقارنة غير مقبولة وظالمة للمهرجانين، فمهرجان أبوظبي على تميزه ونفقاته لازال حدثا وليدا ندعو له بالإستمرار والتطور والتخلص من الشبهات التي لحقت به، بينما مهرجان القاهرة كيان مستقر واسم عربي وحيد في قائمة المهرجانات الدولية المعتمدة وإن كان يعاني الكثير من المشكلات الإدارية والتنظيمية إلا أن ذلك لا يجعله فاشلا كما قال الزميل في تفسيره الغريب.
الأغرب هو الصمت المطبق من وسائل الإعلام الإماراتية التي لم يقدم كاتب واحد فيها على مناقشة الواقعة أو حتى الحديث عن الأزمة التي أحدثتها وهو بلاشك قرار واضح أنه جرى تعميمه على وسائل الإعلام من جهات عليا في الدولة، رغم أن الإعلام الإماراتي يناقش كل القضايا التي تحدث في الدول العربية سواء من خلال مراسليه أو اعتمادا على وكالات الأنباء العالمية التي اهتمت بالأزمة وكتبت عنها.
نهاية أتمنى أن يخرج علينا أي مسئول ظبياني سواء في إدارة المهرجان أو في هيئة أبوظبي للثقافة المنظمة له ليحدثنا صراحة وبشفافية عن الواقعة وعن جنسيات وديانات فريق العمل في المهرجان، وفي انتظار العام القادم ربما يطالعنا المهرجان بواقعة تطبيع جديدة في إطار الشرق الأوسط الكبير أو يتخلص من أعباء شبهات التطبيع مثلما تخلص من اسمه القديم.
***
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق