الأربعاء، 30 نوفمبر 2011

الثورة والثوار المفترى عليهم.. وشعب يكره الحرية ويعشق القمع



من: سلامة عبد الحميد

الثورة مضطهدة رسميا.. تلك هي الخلاصة التي توصلت إليها بعد مرور عشرة أشهر على تنحي مبارك، طيلة الشهور الأولى كنت أتحدث عن أطراف تقاوم التغيير وأشخاص يرغبون في قتل الثورة كونها تضر بهم وبمصالح ضخمة كونوها في ظل نظام فاسد.
التهم بالطبع طالت الحكام الجدد في مصر "العسكر" الذين كان موقفهم من الثورة واضحا، هم يكرهون الثورة لكنهم أبرز من استفاد منها. أنهت حلم توريث جمال الذي كانو يقاومونه على استحياء، وجعلتهم يستعيدون كرامتهم التي فقدوها لصالح الشرطة.. بمرور الوقت بات واضحا لكل ذي عقل أن العسكر يعملون بكل جهد على تقويض الثورة وإقصاء كل أهدافها لأن تحقق الثورة سيكون وبالا عليهم وربما يلقون مصيرا أسوأ من مصير مبارك نفسه.
الأخطر في الأمر أن الثورة مستمرة وكل فترة تكسب أرضا جديدة لأنها تستمد قوتها من شرعية اسقاطها لمبارك وتخلي الجميع عنه وكون الشعب في الغالب مثل كل شعوب العالم يصفق للمنتصر أيا كان، بغض النظر عما يقدمه لهم هذا المنتصر أو ما يمكن أن يفعله بهم بعد قليل من الثبات في موقعه الجديد.
كانت معظم فئات الشعب تكره الثورة ومن قاموا بها وتقاومها وتقاومهم بكل الوسائل في أيامها الأولى. لا تصدق تلك الأكاذيب التي يتم ترويجها يوميا بأنها ثورة شعب وأن عشرين مليون مصري شاركو فيها، فمن شاركو في الثورة عن اقتناع لا يزيد عددهم عن مليوني شخص في كل أنحاء البلاد.
العشرون مليونا المزعومون هم من نزلو للاحتفال بانتصار الثورة، لم يشاركو فيها، هؤلاء الذين نزلو التحرير وباقي الميادين لالتقاط الصور والظهور في الفضائيات وبعضهم تحدث عن بطولات قام بها في الميادين بينما كان في الواقع قابعا تحت بطانيته يشاهد التليفزيون أثناء الأيام الحقيقية للثورة مكتفيا بصب اللعنات على من أوقفوا حال البلاد من الثوار.
يقولون لك عندما تواجههم بالحقيقة إنك ديكتاتوري، والبعض يتهمك بالتعصب، وأخرين لديهم بقية من دم واحساس يقولون وأبصارهم في الارض "عفا الله عما سلف".. في حين أن أخرين من المنافقين والمتحولين يتذرعون بأنهم كانوا مخدوعون أو أن على الثوار أن يحرصوا على الجماعة وعدم الفرقةوغيرها من الحيل المحفوظة التي لم تعد تنطلي على أحد.
عموما.. تعالو نستعرض بعض الوقائع الهامة وبعدها عفا الله عما سلف.. طالما سيكون هذا من الطرفين وباستمرار.

في أيام الثورة الأولى كان كل من يتحدث من المواطنين غير المنتمين للثورة وهم الأغلبية طبعا، يهاجمون من قاموا بالثورة، وكانت حملات التخوين والتشويه على أشدها.. يوما يعد يوم اشتد عود الثورة لأن من قامو بها كانو على الحق.. فبدأ الألاف ينضمون لها وبدأ الملايين يخفت صوتهم فيما يخص التخوين والعمالة والكنتاكي والأجندات وغيرها.
هلل الشعب كله فجأة للثورة في فبراير وظهر أن مبارك ابن ستين في سبعين.. ظلم كل الشعب وسرق المال العام، وبات الشهداء أيقونات الشوارع والإعلام، ثم عدنا مجددا للنفاق.
في اعتصام يوليو ظهرت نفس الدعوات القديمة بنفس الطريقة، خونة وعملاء وأجندات. ولولا اعتصام يوليو لو تذكرون ما شاهدتم مبارك في القفص يحاكم، ولو أنها حتى الأن محاكمات صورية يديرها العسكر بمنتهى الإقتدار أملا في تبرئة القاتل والحكم بالإعدام على الثوار.. لكن هيهات.
بعد بدء المحاكمات ظهرت مجددا حالة الفرح في الشارع واكتسبت الثورة أرضا جديدة من خلال تلك المسميات الفارغة مثل محاكمة القرن وحالة الاهتمام العالمي بمصر وبدء الشكوك الواسعة في نية العسكر ترك السلطة خاصة مع التصريحات المتناقضة والمتضاربة منهم.
ما علينا مجددا.. عاد الثوار للإعتصام في ظل شعور عام في المجتمع بأن العسكر بدأو تنفيذ سيناريو البقاء دون أي إبداع وإنما نقلا من سيناريو 1954 الذي فعله عبد الناصر وعساكره بالمخالفة لمبادئ الثورة التي قامو بها ليبقو في الحكم ستين عاما متصلة.


مجددا عادت التهم القديمة، لا يوجد ابداع أيضا، خونة وعملاء وأجندات وللحق اختفى الكنتاكي لصالح الكثير من الماركات العالمية من سيارات وفنادق وسفريات، تم الهجوم على الميدان ومن فيه كما حدث في كل الاعتصامات السابقة بقوة وبطش تذكر بموقعة الجمل أو جمعة الغضب.
الشعب الذي يدعي أنه شارك في الثورة لم يدعم الثوار أو يدافع عنهم وإنما شارك في حملات تشويه صورتهم مجددا وتعامل معهم على أنهم نزلوا من الفضاء أو جاءوا حالا من مقر السي أي ايه أو طهران أو الموساد، ولا تعرف كيف يمكن الربط بين هذه الجهات المتضاربة، لكن كله عند المصريين صابون.
الجديد في الأمر نغمة أن من يوجدون الأن في ميدان التحرير ليسو ثوار 25 يناير باعتبار أن الشعب هو الذي ثار في يناير أو أن لديهم أسماء من كانو موجودين في يناير؟!.. وهاهو الشعب معتكف مجددا تحت بطانياته لا يغادرها وبالتالي فإن من في التحرير عملاء وخونة وأصحاب أجندات.
تعالت أصوات مرددوا تلك النغمة كثيرا ومعظمهم من الفئة التي نزلت التحرير للتصوير ونشرو صورهم أمام الدبابات والبوابات والأعلام على مواقع التواصل، واعتبر كثيرون منهم أن تلك الصورة دليل لا يقبل الشك على مشاركته في الثورة بل بدأ يكذب بفجاجة عن مغامرات وبطولات زائفة قام بها ووقائع شاهدها أو حضرها.
ما علينا من جديد.. أثق أن الثورة ستنتصر في النهاية وأن من قامو بها حقيقة، مش بتوع التصاوير، لن يهدأ لهم بال حتى يهدمو الفساد وعندها تعرف بلادنا الأمجاد.. فالفساد لازال قائما ويتجدد ليل نهار على مرأى ومسمع الجميع وكأن الناس أصيبو بالخرس والعمى والصمم فجأة.


يحزنني كثيرا أن أتهم الملايين من أهل بلدي بالنفاق والكذب.. حزين أنهم بعد عشرة أشهر كاملة على تفجر فضائح كانو يشيحون النظر عنها خوفا أو إهمالا لازالوا يريدون العودة بنا إلى ما قبل 25 يناير لأنهم تعودوا على هذا سنوات طويلة.
يحزنني أن الملايين لم يشعرو بعد بطعم الحرية وأن البعض يفسر الحرية على مزاجه، لو قلت له أنه ليس من حقه الإفتراء على الثورة والثوار أو أنه ليس من حقه قلب الحقائق، يكون رده: بدأت ديكتاتورية الثورة والثوار.
يبدو فعلا أن الثورة كانت تحتاج بعضا من الديكتاتورية حتى تنظف المجتمع والسياسة والقانون والشارع من بعض الكوارث التي تركها فيه نظام مبارك وبقاياه على مدار ثلاثة عقود قبل بدء بناء دولة الحرية والديمقراطية.
كلكم متفائل وواثق في الشعب غالبا لكني أشعر أن الشعب لازال ضد الثورة وأن فكرة المشاركة الواسعة في الانتخابات ليست إلا تعبيرا عن رفض الشعب للثورة ومطالبته بالعودة للنظام القديم لأنه شعب تربى على عدم تشغيل دماغه تربى على إطاعة الأوامر. شعب يعشق العسكرية ويخشى من الحرية.
أتمنى أن أكون مخطئا أو أن يثبت الشعب أنه أكثر وعيا وإدراكا.. وأختم بالقول: أفيقو يرحمكم الله.





يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

هناك تعليق واحد:

  1. عزيزي الأستاذ سلامة: أحييك على هذا المقال.حقيفي اجمل وابلغ تصوير لما حدث ويحدث ويارب يشفي هذا الشعب من التلوث الذي يسكن في دمائه على مدار عقود أو على الأقل يدع الثوار يكملوا المشوار عشان بكره ده ملكهم وملك أجيال قادمة دمها طاهر ونقي ولا يمكن تعيش إلا في جو نظيف. أما أنا(وبالرغم من مرض ووفاة والدي وزوجي خلال الموجة الأولى للثورة)فأشعر بمزيج من الخجل والخزي والهوان لعدم مشاركتي في هذه الأيام العطرة

    ردحذف