نحن الآن لسنا إزاء معركة بين الإخوان المسلمين فى السلطة
وبين غيرهم من معارضيهم، لأن هذه المعركة كانت يمكن أن تحسم فى ظل دستور 2012
بانتخابات مجلس النواب وما يفضى إليه من تشكيل وزارى يعكس حكم التأييد الشعبى
الصحيح لكل فريق من الفرقاء المتصارعين وهو ما كان من شأنه دستوريا أن يقيد سلطات
رئيس الجمهورية وفقا لنتيجة الانتخابات.
ولكننا إزاء معركة تتعلق بالديمقراطية وبالدستور، وهو ما
انتكس بفعل قيادة القوات المسلحة فى الانقلاب الذى حدث أخيرا. واستغلت هذه القيادة
رصيدا شعبيا معارضا للإخوان المسلمين لتسوقهم جميعا إلى تأييدها فى معركة القضاء
على روح ثورة 25 يناير 2011 والديمقراطية الدستورية، ولتعود بنا إلى الوراء وإلى
نظام حكم استبدادى غاشم.
وأنا أتصور أن القوات المسلحة ذاتها برجالها وناسها
بريئة من هذا الصنيع، لأنهم نزلوا إلى الشوارع بأمر القيادة وسيطروا على مرافق
البلاد لا للقيام بانقلاب عسكرى، ولكن لتأمين منشآت الدولة وجماعة المصريين فى
حراكهم المرتقب فى 30 يونيو وحتى لا يندس بينهم مخربون، ثم استغلت القيادة هذا
النزول لترتب عليه آثارا سياسية أخرى تتعلق بهدم ما يشيد المصريون من نظام
ديمقراطى دستورى. ولم يدرك قائدو الانقلاب انهم بتعطيلهم الدستور وعزلهم رئيس
الجمهورية قد أسقطوا الوزارة التى يكتسب القائد العام شرعية أوامره التنظيمية من
وجودها بحسبانه وزيرا بها.
وعلى الناس أن يدركوا أن سعيهم الآن لا يتعلق بإعادة حكم
الإخوان، ولكنه يتعلق بالدفاع عن الدستور وعن النظام الديمقراطى، وأن يصطفوا
اصطفافهم السياسى لا بين إخوان مسلمين ومعارضيهم ولكن بين مدافعين عن الديمقراطية
وبين مؤيدين لحكم الاستبداد.
وإلى من يسعون الآن للتقريب بين وجهتى النظر، وقد سألنى
كثيرون عنها وطلبوا منى الحديث عنها والمساهمة فيها، إلى هؤلاء أقول إننا أمام
معضلة، وهى أن من يقوم بانقلاب عسكرى يكاد يستحيل عليه العدول عنه لأنه قد صار
مصيره الشخصي متعلقا بمصير الانقلاب، وإن من يريد التنازل عن بعض الأوضاع
الدستورية الديمقراطية ليتفادى إصرار القوة الانقلابية المادية، من يريد ذلك إنما
ينشئ سابقة دستورية خطيرة تهدد النظام الديمقراطى دائما، وهى إمكانية أن تتحرك
قوات فى أى وقت لفرض أى مطلب فى ظل أزمة سياسية فعلية، مما عرفته تجارب دول أخرى فى
تركيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا لعشرات من السنين.
حفظ الله مصر من هذا المصير..
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق