منقول:
يعد كتاب الدكتور محمد الجوادي بعنوان "مذكرات الضباط الأحرار" أحد الكتب الرئيسية التي تناولت أسرار ثورة يوليو على لسان صانعيها الحقيقيين وبالتحديد الضباط محمد نجيب، عبداللطيف البغدادي، خالد محيي الدين، عبدالمنعم عبدالرؤوف، جمال منصور، عبدالفتاح أبوالفضل وحسين حمودة .
وتتناول المذكرات جميعا مقدمات ثورة يوليو التي ارتبطت بفساد القصر الملكي في عهد فاروق وفساد الجيش، وما تبع ذلك من أسرار الثورة التي كانت على وشك اعتقال المخططين لها لولا عناية الله، كما تكشف المذكرات صراعات الضباط الأحرار حول فكرة الرجوع للثكنات وترك السلطة للمدنيين المنتخبين وهو ما عرف بأزمة مارس 1954 والتي انتهت بالإطاحة بمحمد نجيب ورفاقه واستتباب الحكم لعبدالناصر ورجاله .
وتدين المذكرات في مجملها انحياز الإخوان لعبدالناصر على حساب حقوق الشعب ، كما ترجع نكسة 1967 لفساد حاشية عبدالناصر .
"كنت رئيسا لمصر"
في مذكرات اللواء محمد نجيب أول رئيس جمهورية لمصر يتذكر الدرس الذي علمه إياه النحاس باشا في 1929 ، فقد ارتدى نجيب زيا نوبيا ونزل على سطح منزله بعد قرار الملك فؤاد بحل البرلمان لأن أغلبيته جاءت وفدية فسعى إليه نجيب ليقول له " إن الجيش وراءك" وذلك في حضور مكرم عبيد ، ورد عليه النحاس: " أنا أفضل أن يكون الجيش بعيدا عن السياسة ، وأن تكون الأمة هي المصدر الوحيد للسلطات، وإن كنت في نفس الوقت أتمنى أن يكون انتماء الضباط للوطن وللشعب أكثر من انتمائهم للملك ".
وفي مذكرات محمد نجيب يتذكر أيضا إنقاذه لأنور السادات حين وجهت إليه تهمة العمالة للألمان، فهدد نجيب بالاستقالة لو حكم عليه ، وكان حينذاك قائد اللواء الرابع بالجيش وقال أن ألمانيا تعمل ضد إنجلترا عدوتنا وليس ضد مصر ، فاكتفى الجيش بطرد السادات ، والذي انضم فيما بعد للحرس الحديدي التابع للقصر والمعروف بفساده وهو أمر أحزن نجيب!.
و يوضح نجيب أن حركة الضباط الأحرار نشأت بنهاية الأربعينات بالجيش وخاصة بعد هزيمة العرب في حرب فلسطين 1948 والتي أصيب فيها نجيب بإصابة قاتلة بالقلب ، وكان يرى أن دخول الحرب خطأ كبير إذ لم نكن نملك الإمكانات العسكرية الكافية وكان الأجدر لطرد اليهود من فلسطين استخدام أسلوب حرب العصابات بالشوارع.
وقد كانت هناك مباديء ستة اتفق الضباط الأحرار على الإخلاص لتحقيقها فطافوا بالمنشورات المطالبة بـ"القضاء على الاستعمار والإقطاع وسيطرة رأس المال وإقامة جيش وطني قوي وإقامة حياة ديمقراطية سليمة وإقامة العدالة الاجتماعية ".
وفي ليلة الثورة تمكن محمد نجيب من إبلاغ زملائه بأن سرهم قد انكشف وعليهم تعجيل موعد الحركة ساعة ، وبالفعل كانت قيادة أركان الجيش تدرس اعتقال هؤلاء الضباط والقضاء على الثورة سريعا، لكن مباغتة الضباط حالت دون ذلك في صباح 23 يوليو 52 ، وخاصة بعد نجاح يوسف صديق في اقتحام مقر قيادة الجيش واعتقال قياداته .والغريب أن يوسف صديق بطل الثورة سيضطر للرحيل لسويسرا 1953 بعد رفض قيادة الثورة استقالته احتجاجا على اعتقال ضباط المدفعية المناوئين للحكم العسكري .
وقد قاد نجيب ثورة يوليو، وبعد نجاحها شكل أول وزارة بعد استقالة علي ماهر باشا ورحيل الملك فاروق عن البلاد ، ثم تولى رئاسة الجمهورية 1953 ، لكنه اضطر للإستقالة في فبراير 54 بعد صراعات مع رجال الثورة بزعامة عبدالناصر ، وهم المصرين على البقاء في الحكم وغياب الأحزاب والبرلمان والصحف ، ووصل الأمر ببعضهم لتولي الوزارة بدون أداء اليمين الدستورية أمام محمد نجيب وبينهم زكريا محيي الدين وجمال سالم .
وعلى إثر ذلك أعلنت قيادة الثورة بيان استقالة نجيب في فبراير 1954 وواكبته بإدعاءات تنتقص من دوره بالثورة وتؤكد رغبته في الاستحواذ على السلطة . لكن باستقالة نجيب حدثت مظاهرات بشوارع مصر والسودان تطالبه بالعودة ، فعاد ولم يسع كما يخبر بمذكراته للتخلص من جمال عبدالناصر ورجاله مؤكدا أنهم يد واحدة .
ومع عودة نجيب، كان ناصر قد رتب لمظاهرات عارمة في مصر تهتف بسقوط "الديمقراطية" في 28 مارس 1954 حتى أن الصاوي أحمد رئيس اتحاد العمال اعترف أن ناصر دفع له 4 آلاف جنيه من أجل خروج العمال وشل حركة المواصلات ، وكان طبيعيا أن يصدر مجلس الثورة عقب المظاهرات قرارا بإلغاء قرارات مارس التي انتصرت للديمقراطية .. وهنا انهزم فريق محمد نجيب المطالب بخروج العسكر من الحياة السياسية .
ويتذكر نجيب بمرارة كيف فوجيء بإعفائه من منصبه صباح 14 نوفمبر 1954 وأخبره بالقرار عبدالحكيم عامر، بل وصار معتقلا بفيلا زينب الوكيل طيلة 30 عاما . . خرج نجيب من القصر دون أن يطلق عيار واحد تحية عسكرية له ، وقارن ذلك بوداع الملك فاروق الذي أسقطته الثورة ومع ذلك أدوا له التحية العسكرية كاملة وخرج في مشهد مهيب .
بخصوص الإخوان المسلمون ، يقول محمد نجيب أن ناصر نصب لهم فخا حين استمالهم له في البداية لترجيح قوته ضد قوة نجيب ، وتصور الإخوان من جانبهم أن إلغاء الأحزاب سيجعل منهم الحزب الوحيد، لكن ذلك لم يحدث فقد دبر لهم ناصر حادث الاعتداء عليه في المنشية يوم 26 أكتوبر وحل جماعة الإخوان نفسها وأذاقها صنوف السجن والتعذيب وبينهم المفكر ورجل القانون عبدالقادر عودة الذي صعد شجاعا لحبل المشنقة. وتعليقا على ذلك يقول نجيب : "الجيش إذا ما خرج من ثكناته فإنه حتما سيطيح بكل القوى السايسية المدنية، ليصبح هو القوة الوحيدة في البلد، فالديكتاتورية العسكرية لا تطيق تنظيما آخر ..
ويرى نجيب أن رجال الثورة قد صاروا مثل السمك يأكل بعضه بعضا خوفا من أي إنقلاب يصيب سلطانهم ، ويتذكر بأسى الحكم على البكباشي حسني الدمنهوري بالإعدام بتهمة الإنقلاب على قيادة الثورة ومحاولة الإفراج عن ضباط المدفعية المتمردين . وقد علم نجيب من اليوزباشي محمد رياض أن الدمنهوري تعرض لتعذيب شرس من صلاح سالم لدفعه للاعتراف بمؤامرة لم يرتكبها ..
مذكرات عبداللطيف البغدادي
كان البغدادي وزيرا للحربية في عهد محمد نجيب وكان رئيسا لأول محكمة ثورة وعضوا بارزا بمجلس قيادة الثورة ، وكان أيضا فيما بعد وزيرا للشئون البلدية والفلاحة 1954 في وزارة عبدالناصر وفي 1957 انتخب كأول رئيس للبرلمان المصري الذي حل بعد الوحدة مع سوريا ، ثم صار في عام 1961 وزيرا للتخطيط والخزانة وهو أول من شق طريق كورنيش النيل في زمن قياسي .. غير أن عبدالناصر فرض الحراسة عليه بعد اعتزاله العمل السياسي في 1964 .
وبخصوص جماعة الإخوان ، يذكر البغدادي أن الضباط الأحرار كانوا قبل الثورة على وشك الانضمام لتنظيم الضباط الإخوان في الجيش، وذلك بمباركة الإمام حسن البنا، لكنهم عدلوا عن الفكرة خشية من ذوبانهم في تنظيم الإخوان أو تمكن الإخوان من السيطرة على الجيش وعلى البلاد فيما بعد . وقال البغدادي أن عام 1953 شهد اتفاقا بين قيادة الثورة على تدعيم الإنشقاق داخل جماعة الإخوان وتقوية الخدمات العامة للجمهور لتقليل أثر الإخوان في الشارع .
وفي موضع آخر حول نكسة يوليو يقول بغدادي : وجدنا أن قوتنا الجوية تم تدميرها في يوم ، وفي اليوم الثاني دمرت قوتنا الأرضية .. وقتها استرجعنا مقامرة عبدالناصر بأمة بأكملها من أجل مجد شخصي . وقد فقد عبدالناصر اتصاله بجيشه وبقياداته بعد النكسة إلى الحد الذي كان يقرأ فيه الاستراتيجية التي سيدير عليها عدوه الحرب من الصحف الإنجليزية، وبين ذلك أنهم يودون احتلال بورسعيد لضمان حرية الملاحة لهم في قناة السويس.
ويروي بغدادي أن جمال عبدالناصر قال لعضو قيادة الثورة كمال الدين حسين أن الدول العربية المنتجة للبترول تسمح للشركات الأجنبية بالقيام بنقل البترول مقابل تعهد مكتوب منها بأنها لن تمون به أمريكا ولا إنجلترا وهذا يعني على حد قوله أن المقاطعة شكلية، كما اتهم جمال أيضا الملك فيصل بالتواطؤ مع الغرب ضدنا.
والغريب ما يرويه بغدادي من أن عبدالناصر بعد أزمة مارس 1954 ذكر بالحرف أن الثورة ليست لها قاعدة شعبية ولا يريدها الجيش، وقد قام بها تسعون ضابطا وصلوا لخمسين .. فرد عليه بغدادي : معنى هذا أننا نفرض أنفسنا على هذا البلد ، فرد عليه بالإيجاب !
لكن تتضمن المذكرات في موضع آخر انبهار بشخصية عبدالناصر الذي وصفه البغدادي بزعيم العرب دون منازع بعد تأميم قناة السويس، وكسر مصر احتكار الغرب للسلاح والاتجاه نحو روسيا وهو ما تبعتها فيه سوريا في اوائل عام 1956 .
وينتقد بغدادي ثقة عبدالناصر في عبدالحكيم، وكان الأخير بدوره يترك أمر الجيش لمساعديه وقليلا ما أحسنوا التصرف، حتى إنه كان يثق بالضابط السوري عبدالكريم النحلاوي الذي رتب للإنقلاب على الوحدة المصرية السورية، كما لم يتحرك عبدالحكيم بعد الشكاوى المريرة من معاملة مدير مكتبه بالقاهرة شمس بدران للضباط . ويرى الجوادي في تعليقه على المذكرات أن خطأ عبدالناصر كان في إبعاد الشعب عن المعادلة السياسية وإلغاء التنظيمات السياسية ، والثقة بأبناء الجيش وحدهم لتولي المناصب القيادية بالدولة .
في مذكرات اللواء محمد نجيب أول رئيس جمهورية لمصر يتذكر الدرس الذي علمه إياه النحاس باشا في 1929 ، فقد ارتدى نجيب زيا نوبيا ونزل على سطح منزله بعد قرار الملك فؤاد بحل البرلمان لأن أغلبيته جاءت وفدية فسعى إليه نجيب ليقول له " إن الجيش وراءك" وذلك في حضور مكرم عبيد ، ورد عليه النحاس: " أنا أفضل أن يكون الجيش بعيدا عن السياسة ، وأن تكون الأمة هي المصدر الوحيد للسلطات، وإن كنت في نفس الوقت أتمنى أن يكون انتماء الضباط للوطن وللشعب أكثر من انتمائهم للملك ".
وفي مذكرات محمد نجيب يتذكر أيضا إنقاذه لأنور السادات حين وجهت إليه تهمة العمالة للألمان، فهدد نجيب بالاستقالة لو حكم عليه ، وكان حينذاك قائد اللواء الرابع بالجيش وقال أن ألمانيا تعمل ضد إنجلترا عدوتنا وليس ضد مصر ، فاكتفى الجيش بطرد السادات ، والذي انضم فيما بعد للحرس الحديدي التابع للقصر والمعروف بفساده وهو أمر أحزن نجيب!.
و يوضح نجيب أن حركة الضباط الأحرار نشأت بنهاية الأربعينات بالجيش وخاصة بعد هزيمة العرب في حرب فلسطين 1948 والتي أصيب فيها نجيب بإصابة قاتلة بالقلب ، وكان يرى أن دخول الحرب خطأ كبير إذ لم نكن نملك الإمكانات العسكرية الكافية وكان الأجدر لطرد اليهود من فلسطين استخدام أسلوب حرب العصابات بالشوارع.
وقد كانت هناك مباديء ستة اتفق الضباط الأحرار على الإخلاص لتحقيقها فطافوا بالمنشورات المطالبة بـ"القضاء على الاستعمار والإقطاع وسيطرة رأس المال وإقامة جيش وطني قوي وإقامة حياة ديمقراطية سليمة وإقامة العدالة الاجتماعية ".
وفي ليلة الثورة تمكن محمد نجيب من إبلاغ زملائه بأن سرهم قد انكشف وعليهم تعجيل موعد الحركة ساعة ، وبالفعل كانت قيادة أركان الجيش تدرس اعتقال هؤلاء الضباط والقضاء على الثورة سريعا، لكن مباغتة الضباط حالت دون ذلك في صباح 23 يوليو 52 ، وخاصة بعد نجاح يوسف صديق في اقتحام مقر قيادة الجيش واعتقال قياداته .والغريب أن يوسف صديق بطل الثورة سيضطر للرحيل لسويسرا 1953 بعد رفض قيادة الثورة استقالته احتجاجا على اعتقال ضباط المدفعية المناوئين للحكم العسكري .
وقد قاد نجيب ثورة يوليو، وبعد نجاحها شكل أول وزارة بعد استقالة علي ماهر باشا ورحيل الملك فاروق عن البلاد ، ثم تولى رئاسة الجمهورية 1953 ، لكنه اضطر للإستقالة في فبراير 54 بعد صراعات مع رجال الثورة بزعامة عبدالناصر ، وهم المصرين على البقاء في الحكم وغياب الأحزاب والبرلمان والصحف ، ووصل الأمر ببعضهم لتولي الوزارة بدون أداء اليمين الدستورية أمام محمد نجيب وبينهم زكريا محيي الدين وجمال سالم .
وعلى إثر ذلك أعلنت قيادة الثورة بيان استقالة نجيب في فبراير 1954 وواكبته بإدعاءات تنتقص من دوره بالثورة وتؤكد رغبته في الاستحواذ على السلطة . لكن باستقالة نجيب حدثت مظاهرات بشوارع مصر والسودان تطالبه بالعودة ، فعاد ولم يسع كما يخبر بمذكراته للتخلص من جمال عبدالناصر ورجاله مؤكدا أنهم يد واحدة .
ومع عودة نجيب، كان ناصر قد رتب لمظاهرات عارمة في مصر تهتف بسقوط "الديمقراطية" في 28 مارس 1954 حتى أن الصاوي أحمد رئيس اتحاد العمال اعترف أن ناصر دفع له 4 آلاف جنيه من أجل خروج العمال وشل حركة المواصلات ، وكان طبيعيا أن يصدر مجلس الثورة عقب المظاهرات قرارا بإلغاء قرارات مارس التي انتصرت للديمقراطية .. وهنا انهزم فريق محمد نجيب المطالب بخروج العسكر من الحياة السياسية .
ويتذكر نجيب بمرارة كيف فوجيء بإعفائه من منصبه صباح 14 نوفمبر 1954 وأخبره بالقرار عبدالحكيم عامر، بل وصار معتقلا بفيلا زينب الوكيل طيلة 30 عاما . . خرج نجيب من القصر دون أن يطلق عيار واحد تحية عسكرية له ، وقارن ذلك بوداع الملك فاروق الذي أسقطته الثورة ومع ذلك أدوا له التحية العسكرية كاملة وخرج في مشهد مهيب .
بخصوص الإخوان المسلمون ، يقول محمد نجيب أن ناصر نصب لهم فخا حين استمالهم له في البداية لترجيح قوته ضد قوة نجيب ، وتصور الإخوان من جانبهم أن إلغاء الأحزاب سيجعل منهم الحزب الوحيد، لكن ذلك لم يحدث فقد دبر لهم ناصر حادث الاعتداء عليه في المنشية يوم 26 أكتوبر وحل جماعة الإخوان نفسها وأذاقها صنوف السجن والتعذيب وبينهم المفكر ورجل القانون عبدالقادر عودة الذي صعد شجاعا لحبل المشنقة. وتعليقا على ذلك يقول نجيب : "الجيش إذا ما خرج من ثكناته فإنه حتما سيطيح بكل القوى السايسية المدنية، ليصبح هو القوة الوحيدة في البلد، فالديكتاتورية العسكرية لا تطيق تنظيما آخر ..
ويرى نجيب أن رجال الثورة قد صاروا مثل السمك يأكل بعضه بعضا خوفا من أي إنقلاب يصيب سلطانهم ، ويتذكر بأسى الحكم على البكباشي حسني الدمنهوري بالإعدام بتهمة الإنقلاب على قيادة الثورة ومحاولة الإفراج عن ضباط المدفعية المتمردين . وقد علم نجيب من اليوزباشي محمد رياض أن الدمنهوري تعرض لتعذيب شرس من صلاح سالم لدفعه للاعتراف بمؤامرة لم يرتكبها ..
مذكرات عبداللطيف البغدادي
كان البغدادي وزيرا للحربية في عهد محمد نجيب وكان رئيسا لأول محكمة ثورة وعضوا بارزا بمجلس قيادة الثورة ، وكان أيضا فيما بعد وزيرا للشئون البلدية والفلاحة 1954 في وزارة عبدالناصر وفي 1957 انتخب كأول رئيس للبرلمان المصري الذي حل بعد الوحدة مع سوريا ، ثم صار في عام 1961 وزيرا للتخطيط والخزانة وهو أول من شق طريق كورنيش النيل في زمن قياسي .. غير أن عبدالناصر فرض الحراسة عليه بعد اعتزاله العمل السياسي في 1964 .
وبخصوص جماعة الإخوان ، يذكر البغدادي أن الضباط الأحرار كانوا قبل الثورة على وشك الانضمام لتنظيم الضباط الإخوان في الجيش، وذلك بمباركة الإمام حسن البنا، لكنهم عدلوا عن الفكرة خشية من ذوبانهم في تنظيم الإخوان أو تمكن الإخوان من السيطرة على الجيش وعلى البلاد فيما بعد . وقال البغدادي أن عام 1953 شهد اتفاقا بين قيادة الثورة على تدعيم الإنشقاق داخل جماعة الإخوان وتقوية الخدمات العامة للجمهور لتقليل أثر الإخوان في الشارع .
وفي موضع آخر حول نكسة يوليو يقول بغدادي : وجدنا أن قوتنا الجوية تم تدميرها في يوم ، وفي اليوم الثاني دمرت قوتنا الأرضية .. وقتها استرجعنا مقامرة عبدالناصر بأمة بأكملها من أجل مجد شخصي . وقد فقد عبدالناصر اتصاله بجيشه وبقياداته بعد النكسة إلى الحد الذي كان يقرأ فيه الاستراتيجية التي سيدير عليها عدوه الحرب من الصحف الإنجليزية، وبين ذلك أنهم يودون احتلال بورسعيد لضمان حرية الملاحة لهم في قناة السويس.
ويروي بغدادي أن جمال عبدالناصر قال لعضو قيادة الثورة كمال الدين حسين أن الدول العربية المنتجة للبترول تسمح للشركات الأجنبية بالقيام بنقل البترول مقابل تعهد مكتوب منها بأنها لن تمون به أمريكا ولا إنجلترا وهذا يعني على حد قوله أن المقاطعة شكلية، كما اتهم جمال أيضا الملك فيصل بالتواطؤ مع الغرب ضدنا.
والغريب ما يرويه بغدادي من أن عبدالناصر بعد أزمة مارس 1954 ذكر بالحرف أن الثورة ليست لها قاعدة شعبية ولا يريدها الجيش، وقد قام بها تسعون ضابطا وصلوا لخمسين .. فرد عليه بغدادي : معنى هذا أننا نفرض أنفسنا على هذا البلد ، فرد عليه بالإيجاب !
لكن تتضمن المذكرات في موضع آخر انبهار بشخصية عبدالناصر الذي وصفه البغدادي بزعيم العرب دون منازع بعد تأميم قناة السويس، وكسر مصر احتكار الغرب للسلاح والاتجاه نحو روسيا وهو ما تبعتها فيه سوريا في اوائل عام 1956 .
وينتقد بغدادي ثقة عبدالناصر في عبدالحكيم، وكان الأخير بدوره يترك أمر الجيش لمساعديه وقليلا ما أحسنوا التصرف، حتى إنه كان يثق بالضابط السوري عبدالكريم النحلاوي الذي رتب للإنقلاب على الوحدة المصرية السورية، كما لم يتحرك عبدالحكيم بعد الشكاوى المريرة من معاملة مدير مكتبه بالقاهرة شمس بدران للضباط . ويرى الجوادي في تعليقه على المذكرات أن خطأ عبدالناصر كان في إبعاد الشعب عن المعادلة السياسية وإلغاء التنظيمات السياسية ، والثقة بأبناء الجيش وحدهم لتولي المناصب القيادية بالدولة .
أرغمت فاروق على التنازل عن العرش
كان عبدالمنعم عبدالرؤوف - صاحب تلك المذكرات - لواء طيار ينتمي لجماعة الإخوان وهو من المؤسسين لتنظيم الضباط الأحرار وله أدوار بطولية ضد الإنجليز واليهود بفلسطين أدت لسجنه قبل الثورة ليعود للجيش مرة أخرى عام 1942 وهو بداية تأسيس تنظيم الضباط الأحرار الأول ، وقد شارك بالهجوم على قصر التين بالإسكندرية في أيام ثورة يوليو وإرغام الملك فاروق على التنحي ومغادرة البلاد ، كما شارك بحصار قصر عابدين .
لكنه بعد الثورة تعرض لحكم بالإعدام بتهمة الانقلاب على قيادة الثورة ومحاولة إقامة نظام إسلامي بديل ، وفر هاربا من الحكم لخارج مصر بمعاونة شقيقه .
وفي مذكراته يؤكد أنه بعث برسالة شفهية للمرشد العام الإمام الهضيبي بأن محاكمته ذريعة للزج به وبجميع الشهد في السجن، لحرمان الجماعة من العناصر العسكرية في الجيش بعد أن حرموها من عناصر من ضباط البوليس، ثم بعد ذلك يطيحون بقادتها وهو ما جرى بالفعل.
في الثورة والدبلوماسية
يروي اللواء جمال منصور في مذكراته ، قصة الشقاق الكبير الذي دار بعد أن هاجم غياب الديمقراطية عن أداء مجلس الثورة، قائلا أننا لم نخلع فاروق لكي نأتي في مكانه بـ13 فاروقا ، وبناء عليه قرر عبدالناصر إبعاد منصور عن سلاح الفرسان، ونقل زملائه البارزين لأسلحة أخرى وهم عبدالحميد كفافي ومصطفى نصير، وهو ما اعتبره الضباط الأحرار استبعاد لكل من ساهم في التمهيد للثورة من المراكز الحساسة خشية من عبدالناصر لأن يحدث انقلاب عليه ، وتم استبعاد كل اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار .
عمل جمال منصور كوزير للخارجية، وكان سفيرا لمصر لدى سوريا أيضا، وقد شهد آخر زيارة للسادات لدمشق قبل أيام من زيارته لإسرائيل، وقد امتنع وزير الخارجية آنذاك إسماعيل فهمي عن مصاحبته احتجاجا على هذه الخطوة ، وقال جمال منصور للرئيس السادات : لابد أن تتوقع هجوما عربيا كبيرا عليك خاصة أن بعض القادة العرب عاصروا قضية فلسطين وعاشوا فيها ، فأجابه : أنا رميت طوبة العرب ونفضت إيدي منهم، ولهم أن يفعلوا ما يشاءون " . وأضاف : عشنا سنين طويلة نحاول أن نجد حلا للمشكلة الفلسطينية، ومرت السنون، دون أن ننجز شيئا لا لصالح الفلسطينيين ولا لصالح قضية الشرق الأوسط .. ولقد فكرت بالدعوة لقمة بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لإيجاد حل أمين ووضع نهاية لمآسي الفلسطينيين، أو أن أدعو لمؤتمر سلام دولي، لكن كل ذلك أعلم أنه لن يجدي .
كنت نائبا لرئيس المخابرات
كان كاتب تلك المذكرات عبدالفتاح أبو الفضل نائبا لرئيس المخابرات صلاح نصر، وهو ينتقد فيها حال الجيش في عهد ناصر قائلا : بعد النكسة ، كان الضباط يعلمون بمذبحة جوية على القوات المنسحبة من مدن القناة في الصباح ولم يتكلموا لاعتيادهم القهر. كما يسرد كاتب المذكرات شعور المرارة لدى ضباط الجيش من شمس بدران وقد كانوا يخشون من أن يصير رئيسا للجمهورية بعد تنحي عبدالناصر وكان مرشحا بالفعل بدلا من زكريا محيي الدين ، وهو ما يفسر هزيمتنا على الأرض بعد هزيمتنا في الجو بعد النكسة.
كما يؤكد أبوالفضل أن شمس بدران عمل على إفساد الجيش، وكان يرسل تقارير مغلوطة لعبدالناصر عن رجال مخلصين للوطن، وقد وقعت الثورة أسيرة لضباط المخابرات السابقين الذين كانوا يخدمون الاحتلال الإنجليزي نفسه .. وبالتالي كانوا يرسلون تقارير يتهمون فيها شخصيات وطنية بالشيوعية وهم في الحقيقة ليسوا إلا مناضلين ضد الاستعمار الأجنبي السابق للبلاد.
"الآن أتكلم"
في مذكرات خالد محيي الدين، وهو أحد الضباط البارزين في مجلس قيادة الثورة ، وقد اشتهر عنه انحيازه للديمقراطية في أزمة مارس 54 ، يقدم انتقادا لاذعا لجماعة الإخوان التي وقفت ضد اللجنة الوطنية للطلبة والعمال، وابتعدوا قبل الثورة عن مبادئهم بالاقتراب من اسماعيل صدقي رئيس الوزراء، ومن هنا فقد قرر بصحبة جمال عبدالناصر الانفصال تدريجيا عن جماعة الإخوان.
وكان خالد يرى أن المحيطين بمجلس الثورة من أمثال السنهوري وسليمان حافظ والبراوي يتمسحون بروح برجوازية محافظة معادية لحقوق العمال، بالإشارة لإعدام عمال كفر الدوار، حيث اتهمتهم جماعة الإخوان بالخيانة نتيجة إضرابهم .
كان عبدالمنعم عبدالرؤوف - صاحب تلك المذكرات - لواء طيار ينتمي لجماعة الإخوان وهو من المؤسسين لتنظيم الضباط الأحرار وله أدوار بطولية ضد الإنجليز واليهود بفلسطين أدت لسجنه قبل الثورة ليعود للجيش مرة أخرى عام 1942 وهو بداية تأسيس تنظيم الضباط الأحرار الأول ، وقد شارك بالهجوم على قصر التين بالإسكندرية في أيام ثورة يوليو وإرغام الملك فاروق على التنحي ومغادرة البلاد ، كما شارك بحصار قصر عابدين .
لكنه بعد الثورة تعرض لحكم بالإعدام بتهمة الانقلاب على قيادة الثورة ومحاولة إقامة نظام إسلامي بديل ، وفر هاربا من الحكم لخارج مصر بمعاونة شقيقه .
وفي مذكراته يؤكد أنه بعث برسالة شفهية للمرشد العام الإمام الهضيبي بأن محاكمته ذريعة للزج به وبجميع الشهد في السجن، لحرمان الجماعة من العناصر العسكرية في الجيش بعد أن حرموها من عناصر من ضباط البوليس، ثم بعد ذلك يطيحون بقادتها وهو ما جرى بالفعل.
في الثورة والدبلوماسية
يروي اللواء جمال منصور في مذكراته ، قصة الشقاق الكبير الذي دار بعد أن هاجم غياب الديمقراطية عن أداء مجلس الثورة، قائلا أننا لم نخلع فاروق لكي نأتي في مكانه بـ13 فاروقا ، وبناء عليه قرر عبدالناصر إبعاد منصور عن سلاح الفرسان، ونقل زملائه البارزين لأسلحة أخرى وهم عبدالحميد كفافي ومصطفى نصير، وهو ما اعتبره الضباط الأحرار استبعاد لكل من ساهم في التمهيد للثورة من المراكز الحساسة خشية من عبدالناصر لأن يحدث انقلاب عليه ، وتم استبعاد كل اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار .
عمل جمال منصور كوزير للخارجية، وكان سفيرا لمصر لدى سوريا أيضا، وقد شهد آخر زيارة للسادات لدمشق قبل أيام من زيارته لإسرائيل، وقد امتنع وزير الخارجية آنذاك إسماعيل فهمي عن مصاحبته احتجاجا على هذه الخطوة ، وقال جمال منصور للرئيس السادات : لابد أن تتوقع هجوما عربيا كبيرا عليك خاصة أن بعض القادة العرب عاصروا قضية فلسطين وعاشوا فيها ، فأجابه : أنا رميت طوبة العرب ونفضت إيدي منهم، ولهم أن يفعلوا ما يشاءون " . وأضاف : عشنا سنين طويلة نحاول أن نجد حلا للمشكلة الفلسطينية، ومرت السنون، دون أن ننجز شيئا لا لصالح الفلسطينيين ولا لصالح قضية الشرق الأوسط .. ولقد فكرت بالدعوة لقمة بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لإيجاد حل أمين ووضع نهاية لمآسي الفلسطينيين، أو أن أدعو لمؤتمر سلام دولي، لكن كل ذلك أعلم أنه لن يجدي .
كنت نائبا لرئيس المخابرات
كان كاتب تلك المذكرات عبدالفتاح أبو الفضل نائبا لرئيس المخابرات صلاح نصر، وهو ينتقد فيها حال الجيش في عهد ناصر قائلا : بعد النكسة ، كان الضباط يعلمون بمذبحة جوية على القوات المنسحبة من مدن القناة في الصباح ولم يتكلموا لاعتيادهم القهر. كما يسرد كاتب المذكرات شعور المرارة لدى ضباط الجيش من شمس بدران وقد كانوا يخشون من أن يصير رئيسا للجمهورية بعد تنحي عبدالناصر وكان مرشحا بالفعل بدلا من زكريا محيي الدين ، وهو ما يفسر هزيمتنا على الأرض بعد هزيمتنا في الجو بعد النكسة.
كما يؤكد أبوالفضل أن شمس بدران عمل على إفساد الجيش، وكان يرسل تقارير مغلوطة لعبدالناصر عن رجال مخلصين للوطن، وقد وقعت الثورة أسيرة لضباط المخابرات السابقين الذين كانوا يخدمون الاحتلال الإنجليزي نفسه .. وبالتالي كانوا يرسلون تقارير يتهمون فيها شخصيات وطنية بالشيوعية وهم في الحقيقة ليسوا إلا مناضلين ضد الاستعمار الأجنبي السابق للبلاد.
"الآن أتكلم"
في مذكرات خالد محيي الدين، وهو أحد الضباط البارزين في مجلس قيادة الثورة ، وقد اشتهر عنه انحيازه للديمقراطية في أزمة مارس 54 ، يقدم انتقادا لاذعا لجماعة الإخوان التي وقفت ضد اللجنة الوطنية للطلبة والعمال، وابتعدوا قبل الثورة عن مبادئهم بالاقتراب من اسماعيل صدقي رئيس الوزراء، ومن هنا فقد قرر بصحبة جمال عبدالناصر الانفصال تدريجيا عن جماعة الإخوان.
وكان خالد يرى أن المحيطين بمجلس الثورة من أمثال السنهوري وسليمان حافظ والبراوي يتمسحون بروح برجوازية محافظة معادية لحقوق العمال، بالإشارة لإعدام عمال كفر الدوار، حيث اتهمتهم جماعة الإخوان بالخيانة نتيجة إضرابهم .
ويذكر خالد في مذكراته دور محمد نجيب الوطني حين تم استدعاؤه لمقابلة الوزير محمد هاشم وهو صهر حسين سري رئيس الوزراء، وقد سئل عن أسباب تذمر الضباط وموقفهم العدائي من النظام، وتحدث نجيب عن الخضوع لإرادة القصر والاحتلال، ففاجأه هاشم بسؤاله : هل يكون تعيينك وزيرا للحربية كافيا لإزالة أسباب التذمر لدى الضباط ؟ لكن نجيب بلا تررد رفض المنصب لأنه ادرك أنه أمام محاولة لاستقطابه بعيدا عن حركة الضباط الشبان بهدف إجهاض هذه الحركة .
الضباط الأحرار والإخوان المسلمون
صاحب تلك المذكرات هو حسين حمودة أحد السبعة الذين بدأ بهم تنظيم الإخوان المسلمين في الجيش، وقد تعرض للسجن أيضا بعد ثورة يوليو بسبب انتقاده لحكمهم وانتمائه لجماعة الإخوان.
وينبيء الكتاب بشخصية مغمورة تاريخيا رغم أهميتها في الثورة، وهو صهر الكاتب سعيد توفيق الذي كان يعمل بمبنى المخابرات الحربية وهو الذي أخبر جمال عبدالناصر ليلة الثورة أن رئاسة الجيش قد اكتشفت خطتهم ولابد من الإسراع في تنفيذها، ورغم ذلك يتهم الكاتب عبدالناصر بالصمت حيال قاتلي هذا البطل والذي مات مسموما بالإسكندرية ورفضت الحكومة تسليم جثته لشقيقه اللواء إسماعيل .
ويقول حمودة : " خرجت من السجن يوم 30 سبتمبر 1958 فوجدت مصر قد تغيرت وتحولت كلها إلى سجن رهيب وتحول شعبها للصمت وكسرت الأقلام وأصبحت الصحف مملوءة بالشعارات التي بغير مضمون وارتفع الوصوليون ولم يعد لأصحاب الخبرة والمثقفين ورجال السياسة والأعمال كلمة أو رأي في إدارة شئون البلاد ، ونشطت أجهزة الأمن في تعقب الشرفاء وكتابة التقارير السرية عنهم ثم تأخذ الضحية للسجن لتلاقي من أصناف التعذيب الوحشي ما لا عين رأت ، وتتوالى المحاكمات الاستثنائية والأحكام الظالمة وقد استحوذ الذعر على الخلق من شيوع الجاسوسية .
نقلا عن
http://www.mobashereg.com
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
موضوع شيق وممتاز لتاريخ مصر
ردحذف