*سلامة عبد الحميد
انتهت خطبة الجمعة وخرجت منها بالكثير من الأفكار
المتضاربة حول موقف الخطيب، ليس موقفه الديني وإنما موقفه السياسي..
لست ممن يصدقون خرافات فصل الدين عن السياسة لإيماني أن
السياسة، كما غيرها، جزء من مكونات الدين.. ربما يرجع هذا إلى نشأتي في بيت أزهري
أبا عن جد ودراستي الأزهرية منذ نعومة أظافري حتى تخرجي من الجامعة.
أعرف خطيب الجمعة منذ كان صغيرا هو أصغر مني بعامين فقط،
وشقيقه زميل دراسة أخي الأصغر وكان يتواجد كثيرا في منزلنا، ووالده الراحل كان
شيخنا ومدرسنا الذي كنا في طفولتنا نخشاه أكثر مما نحبه ربما لحدته الشديدة
وأسلوبه التعليمي القاسي الذي كان لا يتورع فيه عن ضربنا ضربا مبرحا بالعصى.
كان الشيخ أحمد "خطيب الجمعة" في طفولته
ومراهقته شخصية رقيقة لطيف وطيب وربما منكسر، وكنت أرجع ذلك دوما إلى قسوة والده
الشيخ محمد الزائدة عن الحد.. وأذكر أن شقيقه الأصغر "الشيخ محمود الأن"
هرب من منزلهم لفترة تجاوزت الشهر اعتراضا على ضرب والده له، كان محمود شقيا جدا
وغير موفق دراسيا ورافضا لفرض الوالد الراحل رأيه عليه، بعكس "الشيخ
أحمد" الذي كان مطيعا خانعا لكنه متفوق في دراسته.
قال الشيخ أحمد في خطبة الجمعة إن ما جرى في "30
يونيو" انقلاب عسكري صريح وإن ما سيأتي بعد ذلك من الفتن والأخطار التي تحيط
بالبلاد ستكون أكبر وأعظم مما سبق ذلك الإنقلاب.
كان معظم من في المسجد يعتبرون ما جرى ثورة وأن حكم
الإخوان خطر عظيم ويصدقون كل ما روجه إعلام الفلول عن حكم الإخوان.. لكن أحدا منهم
لم يلق بالا لما يقوله الشيخ أو ربما تركوه يكمل كلامه وكأنهم لا يسمعون.
وقال الشيخ إن المتمسكين بالسنة النبوية لا يمكنهم أبدا
أن يسكتوا عما يجري وعليهم أن يرفضوه بعدما حذروا منه طويلا دون أن يلتفت أحد
لتحذيراتهم، منوها إلى الكثير من المحاولات لتشويه كل المتمسكين بالسنة بسبب رفضهم
الثورة على مبارك وتمسكهم بعدم الخروج على الحاكم.
كنت محتارا في تفسير ما يقوله الشيخ أحمد، أنا شخصيا
انتقدته سابقا في خطبة حضرتها له بعد الثورة على مبارك مباشرة عندما كرر أن الخروج
على الحاكم حتى لو كان ظالما حرام شرعا.. قلت له "اتق الله يا شيخ وقل كلمة
حق في وجه سلطان جائر" فقال لي: "انتظر من الفتن أكثر مما كان"
فتركته ساخرا مما يقول.
هذه المرة الشيخ لم يقل إن الخروج على الحاكم حرام وإنما
اكتفى بالقول إن ما جرى "إنقلاب".. لتختمر في رأسي الكثير من الاسئلة
وتدور بعقلي بعض المؤامرات التي قررت طردها بمواجهته مباشرة مثلما فعلت في المرة
الأولى التي انتهت سريعا بسخريتي من كلامه وتعبيري له عن اقتناعي بضيق أفقه
السياسي.
-
يا
مولانا الشيخ.. ناديته بصوت خفيض إلى جانب من المسجد
= نعم يا
أستاذ.. رد علي بهدوء مَن فهم غرض محدثه.. وتوجه معي إلى ركن جلسنا فيه لنتحدث
سويا.. وتجمع حولنا عدد غير قليل من المصلين
-
تعرف
تقديري لك ولكل عائلتك والمودة القديمة بيننا. لكني اليوم محتار من موقفك إزاء
الإطاحة بمرسي وأرى فيه الكثير من الإختلاف عما كان عليه عند الإطاحة بمبارك
= وأنت تعرف احترامي لك ومودتي لك ولعائلتك أيضا.. لكن موقفي لم
يتغير البتة
-
كيف
هذا؟ أنت في المرة الأولى قلت بوضوح إن الخروج على الحاكم حرام. وهذه المرة تكتفي
بالقول إنه انقلاب
= في الأولى والثانية وحتى أخر العمر فإن الخروج على الحاكم حرام
لأن ضرره أكبر من نفعه ولأن ما يتلوه من فتن أكبر وأخطر مما سبقه
-
لكنك
لم تقل هذا في الخطبة
= كيف هذا.. قلت بوضوح إن ما حدث انقلاب عسكري صريح.. وأعلم أن
معظم المصلين لم يعجبهم هذا.. وأظنك مثلهم
-
لا..
أنا أيضا أؤكد ليل نهار أنه انقلاب عسكري وأرفضه وأرفض الأثار المترتبة عليه
= نحن متفقان إذن فلم التعجب
-
عفوا..
تعجبي ليس من إبداء رأيك. أنت حر في رأيك حتى لو كان مخالفا لرأيي.. تعجبي سببه أن
موقفك هذه المرة أقل صراحة من المرة الأولى
= على العكس تماما.. بل إن موقفي هذه المرة بنفس وضوح رأيي في
المرة الأولى
-
تعال
نرتب أفكارنا معا.. لست شخصيا من أنصار مبدأ "الخروج على الحاكم حرام
بالمطلق" وإنما أنا مع الخروج على الحاكم الظالم دائما
= لكن هذا لا يتفق مع صحيح الدين ولا مع ما نقله إلينا السلف
الصالح من أحداث التاريخ الثابتة غير المزورة
-
الزمان
تغير وما كان يصلح في القرن الثالث أو الرابع الهجري لا يصلح بعد مرور 10 قرون
= من سنن الله في الأرض أن التاريخ يعيد نفسه.. والزمان يتغير لكن
الأحداث التي تنبني على المبادئ لا تتغير
-
كأني
بك على وشك أن تقول "ولا يوم من أيامك يا مبارك"
= كيف لي أن أقولها وقد كنت وقتها معتقلا أو مهددا بالإعتقال معظم
الوقت؟
-
ورغم
ذلك كنت ترفض الخروج عليه وتحرمه
= ولازلت يا أستاذ أحرم الخروج على الحاكم.. يقينا واتباعا لما نقل
إلينا من السلف الصالح.. وأظنك كأحد المتابعين والمشاركين أكثر مني فيما يجري منذ
رحيل مبارك تدرك أن الفساد الذي وقع والدماء التي سالت أكثر مما كان في حكمه
-
لكن
هذه طبيعة الثورات.. وليس مقبولا الرضا بحاكم فاسد للحفاظ على أمان وهمي
= لدي الكثير من التحفظات على موضوع الثورات.. فما يجري في مصر حتى
الأن ليس ثورة وإنما فتنة كبرى يساق الناس إليها
-
لقد
عدت مجددا للحديث القديم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع
= هذه وجهة نظري الشخصية
-
لقد
قمنا بثورة أطاحت بمبارك لكن تم عرقلتها في الطريق من خلال نظامه المتجذر في
الدولة كلها.. لكنها لابد أن تكتمل بإذن الله
= وجهة نظري مختلفة.. فأنتم لم تقوموا بثورة وإنما تم استخدامكم من
جانب جزء من نظام مبارك للإطاحة بمبارك بينما ظل نظامه بالكامل باقيا
-
ربما
لو دعمتمونا في الثورة لأطحنا بالنظام كله.. لكنكم وقفتم إلى جانب هذا النظام
ودعمتم بقاءه
= من الذين تقصدهم بقولك "أنتم"؟
-
أقصد
الغالبية العظمى من شيوخ السلفية
= رغم أنك أزهري النشأة والتعليم إلا أنه يبدو أنك لا تعرف الكثير
عن السلفيين
-
يكفيني
ما سمعتهم وشاهدته منهم خلال السنوات الأخيرة
= ليس كل من يطلق على نفسه "شيخ سلفي" شيخا ولا سلفيا
-
لست
أعمل في السجل المدني.. أحدثك عن شيوخ مشاهير كانت مواقفهم مخزية
= "ولا تزر وازرة وزر أخرى"
-
أنا
درست علم الكلام مثلك وأستطيع أن أجادلك بتلك الطريقة لمدة عام قادم دون أن نصل
إلى نتيجة
= يعلم الله أنني لست أجادلك.. أنا متفق معك في وقوع الكثير من
الأخطاء وصدور الكثير من التصريحات والتصرفات غير الشرعية وربما تم التعامل مع
بعضها بطريقة تسيء للتيار كله
-
دعك
من هذا.. هل أنت الأن تدعم عودة الرئيس المعزول مرسي لأنه رئيس إسلامي؟
= أنا لم أعتبر مرسي يوما رئيسا إسلاميا.. الإخوان أخر همهم تطبيق
الشريعة التي هي همنا الأول.. الإخوان فصيل اسلامي بالفعل لكنهم منشغلون بالسياسة
-
لكنهم
يبقون أقرب لكم من غيرهم
= أتفق معك.. وكنا نراهن على إمكانية تغييرهم أو الإستفادة من
وصولهم للحكم لكنهم خذلونا على مدار عام كامل
-
أنت
تردد الأن ما يقوله شيوخ حزب النور
= ليسو شيوخا وإنما مدعين يتخذون الدعوة السلفية ستارا لتحقيق
مكاسب سياسية
-
لنعد
إلى موضوعنا.. أنت تدعم عودة مرسي؟
= لا.. مرسي لم يعد بامكانه العودة للحكم الأن مثل مبارك تماما..
وإن كنت رافضا للخروج على مرسي كما كنت رافضا للخروج على مبارك
-
هذا
كلام محير جدا!!
= لماذا؟
-
ترفض
الخروج على مرسي.. وترفض عودته للحكم!!
= نعم.. أرفض الخروج على مرسي لأنه حاكم مسلم
مهما كانت أخطاءه.. والنتيجة الواقعة الأن تؤكد أن ما كان وقت مرسي أفضل مما هو
قائم الأن على كل المستويات.. لكني أرفض عودته لأن الواقع يؤكد أن عودته للحكم لن
تكون إلا بالكثير من الدماء
-
كل
مشكلتك في البداية والنهاية هي الدماء؟
= دم مسلم واحد أكثر حرمة عند الله من الكعبة يا أستاذ كما تعرف
-
لكن
الحرب على الظلم نوع من الجهاد.. والجهاد له ضحايا نحسبهم عند الله شهداء
= الله وحده يعلم الشهيد من غيره. لكن أين الحرب على الظلم؟
-
من
خرجوا على مبارك خرجوا بنية الحرب على الظلم. وبعض من خرجوا على مرسي خرجوا بنفس
النية
= وإن كنت غير متفق بالكلية مع ما تقول.. لكن ماذا عن النتائج؟
-
النتائج
ليست مسئولية الفرد وإنما تتحكم فيها الكثير من الظروف والتفاصيل والأحداث
= وفوق كل هذا مشيئة الله العلي القدير
-
صدقت
= لكن ألا ترى أن دعوتك الناس للخروج على الحاكم نوع من إلقاء
النفس في التهلكة المنهي عنها بنص القرأن؟
-
التهلكة
موجودة في كل وقت وكل مكان.. لست محتاجا للخروج على الحاكم حتى تموت أو تصاب!!
= ما تقوله صحيح.. لكن أيضا لست محتاجا للوقوف في وجه حاكم ظالم
للإطاحة به لصالح حاكم ظالم أخر.. هذه تهلكة
-
الثائر
ليس مهتما بالوصول إلى السلطة.. الثائر فقط يقاوم ظلم السلطة
= مع كامل احترامي. هذا الكلام ليس من الدين في شيء
-
في
تاريخ الدول الإسلامية الكثير من الثورات على الحكام
= صحيح.. وأغلبها انتهى إلى أسوأ مما كان
-
المستقبل
بيد الله.. وليس معنى وجود أحداث سابقة غير مبشرة أن يركن الناس إلى الخنوع للظلم
= وليس معنى رفض الخنوع إلى الظلم التهور وإلقاء البلاد والعباد في
أتون حرب أهلية أو فوضى أو فتنة
-
عدنا
مجددا إلى الجدال غير المؤدي إلى نتيجة
= النتيجة واضحة لكنك لا تريد أن تراها
-
ما
أفهمه أنك ضد الخروج على الحاكم على طول الخط
= أنا ملتزم بصحيح الدين الذي يحرم الخروج على الحاكم المسلم
-
لن
أجادلك في فكرة الخروج على الحاكم المسلم.. رغم أني أظن أن بعضا من الحكام
المسلمين كانوا أخطر على الإسلام من حكام غير مسلمين.. لكن هذا المبدأ يجعل الأمة
تصبر على الحاكم الظالم وفي هذا الكثير من الغبن للمواطنين المظلومين
= رفض الظلم أمر مسلم به في كل الأديان.. ورفع الظلم مسئولية كل
مسلم.. لا يمكن أن تفهم من كلامي أن تحريم الخروج على الحاكم يعني القبول بالظلم
-
ليس
لها معنى أخر في رأيي
= بالعكس
-
طالما
أنك ضد الخروج على الحاكم سابقا والأن ولاحقا.. لماذا لا تتصدى لمن يخرجون عليه؟
= أنا خطيب مسجد ولست جنديا.. أملك فقط كلماتي ومعرفتي بالدين..
وأنا أستغلهما بكل السبل لإبراز رأيي الشرعي في الأمر
-
أو
تكتفي بالخطبة فقط؟ الشيوخ على مر التاريخ المصري كانوا قادة الثورات وعلى رأس
المجاهدين
= أنت بنفسك قلتها.. لكني لست مقتنعا أن ما يجري ثورة أو جهاد
-
هذا
تبرير الضعفاء
= هذا هو المبدأ.. الجهاد يكون ضد العدو. والثورة تكون على
الإحتلال.. وما يجري هو احتراب بين مواطنين مصريين
-
الثورة
تكون على الظلم أيا كان الظالم مصريا أو أجنبيا
= نحن مختلفان في هذا
-
نحن
مختلفان في كثير من الأمور في الحقيقة
= الإختلاف من سنن الله في خلقه
-
لكن
هناك الكثير من الأمور التي لا يمكن الإختلاف فيها يطلق عليها الناس "المبادئ"
= لست متفقا.. فحتى المبادئ تتغير بتغير الأشخاص والأماكن والأزمان
-
ألا
تخشى أن يعاد إعتقالك مجددا بعدما عشت 3 سنوات من حرية الرأي والتعبير؟
= "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"
-
عدنا
مجددا إلى الخنوع
= التسليم لأمر الله ليس خنوعا
-
لكن
الله لم يأمرنا أن نجلس في المسجد لننتظر الموت أو الرزق أو العدل.. "اعمل
لدنياك كأنك تعيش أبدا"
= ومن قال إني جالس في المسجد بلا عمل.. ألا ترى الأنشطة المجتمعية
التي نقوم بها لخدمة أهل المنطقة من جمع زكاة وصدقات وإنفاقها على المستحقين؟
-
هذا
جزء يسير من دور كبير منوط بمن يحملون العلم
= "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"
-
هذه
حجج فارغة
= وكأنك تهزأ بأيات القرأن.. وأنا لا أظن بك هذا
-
لست
مقتنعا بما تقوله
= وأنا لم أسع إلى اقناعك وإنما أنت من طلب النقاش
-
العجيب
أن أكثر من 20 فردا ينصتون إلى نقاشنا ولم يتدخل أحد منهم مرة في النقاش أو يبد
رفضا أو قبولا
= كلهم يحاول الوصول إلى الحقيقة.. وأنا وأنت كذلك
-
اللهم
أصلح حالنا وأحوالنا
= أمين
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق