قبل
قيام الثورة المصرية عام 1952 لم يكن معروفا في العالم العربي دول قوية أو مؤثرة
بشكل حقيقي على المستوى العالمي لتتوالى الدول العربية المستقلة القوية بعد الثورة
بدعم لا نهائي من حكومة الثوار في مصر ورئيسها الراحل جمال عبد الناصر الذي عشقه
كل العرب من المحيط إلى الخليج ولازالوا.. وإن كان البعض في مصر يرى عبد الناصر
مسئول عن بداية الخراب.
منذ
وقع الرئيس المصري الراحل أنور السادات معاهدة كامب ديفيد والعرب يتهمون مصر
بالعمالة والخيانة ولازالو حتى اليوم يكررون تلك التهم ويزيدون عليها كل حين تهمة
جديدة، حتى وصلنا حد التشكيك في نصر أكتوبر 1973 والزعم أن أخر الحروب المصرية
كانت في 1956 وأن مصر باعت العرب لأمريكا واسرائيل في كامب ديفيد.
ومنذ
صار لدى العرب وخاصة الأخوة في الخليج أموالا عقب فورة النفط والكل يناطح ليكون له
صوت ودور في المنطقة وكأن دور هؤلاء لن يظهر إلا بخفوت الصوت المصري وكأن مصر تعطل
بروز دور هؤلاء الأشقاء، ورغم أن البعض استغل المال ليعلم شعبه وينمي بلاده إلا أن
أخرون فهموا المال سلطة وسطوة ودور فقط.
خفت
الصوت المصري بالفعل كثيرا بسبب عوامل عدة أولها السياسة الخارجية المتخبطة في
كثير من الأحيان والظروف الإقتصادية التي أثرت في كل المجالات بدءا من التدهور
المتفاقم في التعليم الذي وصل بالبلاد إلى ما هي فيه الأن من أزمات.
خفوت
الصوت المصري وتراجع الدور القيادي للقاهرة ساهم في تصاعد أدوار دول أخرى في
الجوار تربطها بمصر علاقات وصداقات ولغة ودين وثقافة ومنطقة جغرافية واحدة، لكن
يبدو للأسف أن البعض داخل تلك الدول بات يسعى للمطالبة باختفاء مصر من الخارطة
والمطالبة بنسيان أنها أم الدنيا وقلب العرب والشقيقة الكبرى وألقاب غيرها كثيرة
أطلقها الإخوة العرب أنفسهم عبر سنوات طوال من المحبة المتبادلة، والأمثلة على ما
أقوله عن الأشقاء العرب كثيرة ومتكررة ولن تتوقف لمن يتابع فقط الأخبار اليومية.
قبل
يومان نشرت تقريرا مطولا خرجت منه شخصيا بضرورة مناقشة السؤال عنوان هذا المقال
"لماذا يكرهوننا؟".
وعلى
مدار يومين أدرت وشاركت في نقاش مطول مع العديد من الزملاء والأصدقاء من بلدان
عربية على موقع التواصل "فيس بوك" حول السؤال نفسه قبل أن أسطر حرفا من
هذا المقال، ولا أخفيكم أن شكوكي حول الكراهية التي كنت أحاول طردها دائما من
مخيلتي رغم قيام أدلة عليها تزايدت بشكل مخيف لكن النقاش طور الفكرة كثيرا.
لم
يعد السؤال "لماذا يكرهوننا؟" بل تطور بعد المناقشة إلى "لماذا
نكره بعضنا الأخر؟" فالمصريين أيضا باتو متشنجين فيما يخص أي لفظ أو أي تصرف
يخرج عن شقيق عربي والردود الجاهزة المعلبة لدى الطرفين باتت مكررة إلى الحد الذي
يجعلها عدائية وليست خاضعة للمنطق أو النقاش.
شخصيا
وبحكم عملي وعلى مدار السنوات العشر الأخيرة تحديدا أعيش نقاشات شبه يومية مع
مواطنين عرب من أعمار وثقافات ومستويات اقتصادية متباينة، بعضهم يعيش في الداخل
العربي وأخرون مغتربون والعقلاء بينهم يجمعون على أن العرب يعيشون شقاقا يتزايد
على المستوى الرسمي والشعبي.
كنا
دائما نتلذذ بالحديث عن وحدة الصف على المستوى الشعبي وكونه منفصل تماما عن
الحكومات المتناحرة، لكننا اليوم نعيش تناحرا شعبيا لا تتدخل الحكومات لوقفه
وعندما تتدخل تسعى لزيادته إما بدعم المتشنجين أو بترك المتطرفين دون عقاب.
كنا
في البداية "ناقر ونقير" يقول المصري إن العرب يشعرون تجاهه بالدونية
لأنه صاحب التاريخ والحضارة والمكانة وهو يرى أنه محرر العرب ومعلمهم وطبيبهم
ومهندسهم قبل أن يشبوا عن الطوق ويظهر لهم صوت أول ما استطاع أن يرتب الكلام هاجم
مصر قبل غيرها.
بينما
الأخوة في دول عربية أخرى متفقون على أن المصريين فعلوا كل ما سبق وقت انتفاضة
النهضة في بلادهم لكن كل ذلك كان بأجر مجزي ساهم في بناء الدولة المصرية نفسها وأن
ما كان في الماضي لا يمكن تطبيقه اليوم على ما هو كائن.
فعلا
تقاضى المصريون أجرهم عن أداء دورهم في التعليم والبناء ولا يحق لهم معايرة الأخوة
به لأنهم في النهاية لو كانوا كما يرددون الكبار فهذا دورهم وتخليهم عنه عار
عليهم، لكن أيضا لا يمكن أن يتجاهل الأشقاء غير المصريين أن الحصول على أجر لا
يعني نكران الجميل ونسيان ما كان.
جدلية
قد لا تنتهي تلك التي دخلت فيها مع الأشقاء والتي أوجزتها لكم في الفقرة السابقة،
لكنها تظهر فعليا تصدعا تعاني منه العلاقات العربية يتزايد بشكل مطرد بسبب تراكم
المشكلات دون حل حقيقي أو تدخلات واعية من قيادات حقيقية إضافة إلى طابور خامس من
المستفيدين وطابور سادس من الأغبياء والجهلاء والمدعين وطابور سابع وثامن يمثله
عدو متربص ليل نهار.
يظن
البعض أن الخلافات المصرية العربية هي الوحيدة لكنها نموذج واضح وصريح للكثير من
الخلافات العربية المشتركة فما كان بين السعودية وليبيا لا يقل بحال عما كان بين
مصر والجزائر وكلاهما لا يقل عن الوضع المتأزم بين العراق والكويت الذي أعتبره
فضيحة مدوية لجامعة الدول العربية.. والتدخلات العسكرية والسياسية بين السعودية
واليمن وبين سوريا ولبنان وبين مصر وحزب الله وقبلها حماس وحتى بين حماس وفتح كلها
تؤكد شعور الكراهية القائم بين العرب شعوبا قبل الحكومات.
20
مايو 2010
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق