الخميس، 26 أبريل 2012

تحليل متكامل عن الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية السعودية.. لمن يريد الفهم








تنويه: التقرير عمره 7 سنوات وتغيرت الكثير من الوقائع لكن المعلومات الأساسية لم تتغير كثيرا


بقلم روبرت باير

منذ أمد طويل والأمريكان يعتبرون السعودية رمز إخلاص في الشرق الأوسط العربي – نفط رخيص و استقرار سياسي و علاقة تجارية مريحة و لكن البلد يتم إدارتها من قبل نظام اسري ملكي فاسد قام بتمويل الحركات العسكرية الإسلامية في الخارج في محاولة لحماية نفسه منهم في الداخل. موظف سابق و فعال في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) و في مقالة له في كتابه الجديد "النوم مع الشيطان" (Sleeping with the Devil) يقول أن المملكة العربية السعودية لا يمكنها الاستمرار لفترة أطول فالفشل الاجتماعي و الاقتصادي خلال احتضارهم يمكن ان يكون مأساوي.
في العقود التالية للحرب العالمية الثانية، طورت الولايات المتحدة الأمريكية و باقي الدول الصناعية في العالم اعتمادهم العميق و المعزز على نفط المملكة العربية السعودية و التي تعتبر اكبر وأهم منتج في العالم. و لكن في منتصف الثمانيات و مع احتدام الحرب العراقية الإيرانية و كذلك الجرح الذي تركه في الذاكرة قطع الإمدادات النفطية التي تبنتها أوبك، هذه الإمدادات النفطية التي كانت تعتبر من المسلمات قبل المقاطعة، أصبحت فجأة في خطر. مخططي الكوارث سواء المنتسبين للحكومة او المستقلين أصبحوا يوجهون تساؤلات غير مريحة. أي جزء من الهيكلية النفطية السعودية أكثر تعرض للهجمات الإرهابية ؟ و بأي الوسائل ؟ ما نوع الاعطال المتوقعة التي قد تحدث للتدفقات النفطية في المدي القصير و الطويل ؟ تلك كانت توجسات خطيرة يشير ذلك الى خوف من ان هجوم رئيسي على النظام السعودي قد يؤدي الى انهيار اقتصادي عالمي.
بدا و لا يزال النظام السعودي معرض و بشكل مخيف لهجوم. رغم ان السعودية لديها اكثر من ثمانين حقل نفط و غاز طبيعي و اكثر من الف بئر نفطي عامل، فان نصف الاحتياط النفطي موجود في ثمان حقول تشمل حقل غوار و هو اكبر حقل نفطي على اليابسة في العالم و السفانية و هو اكبر حقل نفطي بحري في العالم. بعض السناريوهات السرية تشير الى انه اذا قام ارهابيون بضرب القليل من النقاط الحساسة في نظام نقل النفط في هذه الحقول الثمانية – و التي تشمل حوالي 10,000 ميل من الانابيب، على كل من اليابسة و البحر، و التي يتدفق فيها النفط من الآبار الى مصافي التكرير الى الموانئ. عملياً، يمكن لعمل مثل هذا ان يوقف انتاج السعودية من النفط لفترة قد تصل الى سنتين. كما ان عملية مثل هذه لن تكون صعبة.
اكثر نقطة معرضة للهجوم و شادة للانتباه في النظام النفطي السعودي هو مجمع ابقيق - فيها اكبر منشئات لمعالجة النفط في العالم - و التي تقع على بعد اربعة و عشرون ميلا في اليابسة من شمال طرف خليج البحرين. كل النفط المنتج في الجنوب يتم ضخه الى ابقيق لمعاجلته. في الشهرين الاولين بعد هجوم متوسط الى كبير على ابقيق، الانتاج هناك سوف ينخفض من 6.8 مليون برميل في اليوم الى مليون برميل، يساوي ذلك ثلث الاستهلاك اليومي لأمريكا من النفط الخام. للسبعة شهور التالية للهجوم، سوف يبقى الانتاج اليومي منخفض بمقدار اربعة ملايين برميل مما كان عليه في العادة – و هذا الانخفاض يقارب ما خفضته اوبك سنة 1973 في مقاطعتها النفطية.
يتم ضخ النفط من ابقيق الى ميناء التحميل في راس تنورة و الجعيمة و كليهما على الشاطئ الشرقي للمملكة السعودية. ما يتم تحميله من راس تنورة من النفط اكثر بقليل مما يتم تحميله من الجعيمة (4.5 برميل في اليوم مقارنة مع 4.3 مليون برميل في اليوم)، و لكن توفر راس تنورة تشكيلة من الاهداف و السبل المرشحة للهجوم. كل النفط المصدر من راس تنورة تقريباً، يتم تحميله من خلال منشات بحرية تسمى الجزية البحرية (The Sea Island) و المنصة رقم 4 في هذه المنشات تحّمل نصف الكمية المصدرة. هجوم كومندوز على المنصة رقم 4 باستخدام قارب او غواصة من نوع كيلو-كلاس – و هي متوفرة في السوق العالمي المفتوح للسلاح – سوف يكون ذو اثار مدمرة. هجوم مثل هذا سوف يكون سهل جدا كما هو واضح من الهجوم الذي حدث على المدمرة يو اس اس كول (USS Cole) في سنة 2000 و التي نفشت بفاعلية قاتلة من قبل الانتحاريين و الذي لم يحتاج لاكثر من تسديد قارب (Zodic) مشحون بمتفجرات بلاستيكية.
النقطة الاخرى المعرضة للهجوم هي محطة الضخ رقم 1بقرب ابقيق، و التي تصعد النفط الى جبال الرماح حتى يبدأ النفط رحلته الطويلة عبر شبه الجزيرة الى ميناء ينبع على البحر الاحمر. اذا تم تعطيل المضخة رقم 1، سوف يتوقف ضخ 900,000 برميل من النفط العربي الخفيف و الخفيف جدا الى ينبع بشكل مفاجئ و سوف تتوقف ينبع عن العمل.
حتى خط الأنابيب القصير الذي يتحرك من ابقيق إلى منصات الجعيمة ورأس تنوره على الخليج، هو ليس بدون نقاط ضعف. إذا تم إتلاف نقاط تشعب الشبكة في مجمع القطيف، و الذي يوجه النفط إلى كل أجزاء المنطقة الشرقية من السعودية، فسوف يتعطل تدفق النفط لمدة شهور. الأنابيب التي تصل بين المنصات و معامل المعالجة يمكن استبدالها بشكل سريع، و لكن التي في القطيف تحتاج لتصنيع خاص.
المسوقين و المشجعين للنفط القادم من كل من الاسكا و خليج المكسيك و بحر قزوين و سيبيريا يشيرون الى ان الولايات المتحدة تحاول فطام نفسها من النفط السعودي لتحمي نفسها من اثار هجوم على النظام النفطي السعودي. يجادل هؤلاء انه قد يكون لدي السعودية 25 % من الاحتياطي النفطي العالمي، الا انها لا تمد الولايات المتحدة الا بحوالي 18 % من استهلاكها اليومي من النفط الخام – و هذا تخفيض عما كان عليه خلال عقد واحد، حيث كان
28 %.
استخدم السعوديون فوائضهم النفطية و بشكل متكرر لموازنة سوق النفط العالمي. لقد استخدموا النفط لكسر احتكار اوبك (و لكن بعدما اصبحت ثرواتهم بعشرات البلايين من الدولارات)، في سنة 1974. كما استخدموه مرة اخرى خلال الحرب العراقية الايرانية الطويلة لإبقاء التدفق النفطي ليصل الى الغرب الصناعي. استخدموه كذلك خلال حرب الخليج 1990-1991 بالتعاون مع بعض دول الخليج الاخرى و انتجوا خمسة ملايين برميل اضافية يوميا لتغطية فقد الانتاج النفطي للكويت و العراق.
تم استخدام النفط مرة اخرى في سبتمبر 12، 2001. خلال اقل من 24 ساعة من الهجوم على مركز التجارة العالمي و البنتاجون، قرر السعوديون ارسال تسعة ملايين برميل من النفط للولايات المتحدة خلال الاسبوعين التاليين للحدث. و نتيجة لذلك، كان التضخم الاقتصادي الناتج عن الهجوم المدمر و الذي يعد الاكبر في التاريخ – صغير نسبياً و كان من الممكن تحييد هذا الفائض باستعمال عشرون رطلا من مادة سمتكس الشديدة الانفجار ليستحيل معه تقدير مقدار التضخم. المخزون الاستراتيجي الامريكي يمكن ان يدعم السوق المحلية لمدة سبعين يوم فقط. و لو ان مساهمة السعودية للامدادات النفطية قطعت، يمكن للنفط الخام ان تزيد اسعاره بشكل كبير من حوالي 40 دولار للبرميل الى 150 دولار للبرميل. الفترة لن تكون طويلة قبل ان تشيع الكوارث الاقتصادية و الاجتماعية.
منذ امد طويل و الامريكان يعتبرون السعودية رمز اخلاص في الشرق الاوسط العربي. السعودية تخزن نفطنا تحت رمالها، و خسران السعودية شبيه بخسران المخزون الفدرالي. لقد كان الجدل انه حتى لو تحول الحكام في السعودية لمعاداة امريكا، فهم لن يتوقفوا عن ضخ النفط لان ذلك يعني انتحارهم. كان هذا المنطق شائعاً قبل ان يقوم خمسة عشر سعودي و اربعة ارهابيين آخرين بشن هجومهم الانتحاري في سبتمبر 11، و قبل ان يصبح اسامة بن لادن و بشكل مفاجئ اكثر شخصية شعبية سعودية في التاريخ، و قبل ان تنشر يو اس أي تودي (USA Today) في الصيف الماضي انه من بين كل خمسة يدخلون الموقع السري لتنظيم القاعدة على الانترنت بينهم اربعة من الداخل السعودي، و قبل ان يعتمد مجلس الامن في الامم المتحدة مؤخراً تقريراً يشير الى ان السعودية قامت بتحويل خمسمائة مليون دولار لتنظيم القاعدة خلال العقد الماضي.
خمس عشائر في الشرق الأوسط يملكون 60 % من نفط العالم. عائلة ال سعود التي تحكم السعودية تملك ثلث تلك الكمية. هذا هو المرتكز الذي يدور عليه الاقتصاد العالمي، اسرة ال سعود يعرفون ما بدأ الغرب بمعرفته و هو ان هذه الحكومة تحكم بلد على حافة حرب داخلية. يشيع في الرياض و جدة اتهام ان اموال النفط قد افسدت الاسرة الحاكمة لحد لا يمكن علاجه، بالإضافة الى الزيادة في عدد السكان في السعودية و ازدياد نسبة الفقر، فقد فشل الحكام في حماية اخوانهم المسلمين في فلسطين وأماكن أخرى، و ان اسرة ال سعود سمحت بالإهانات ضد الاسلام و بشكل مختصر البلاد تحتاج الى تطهير جذري.
نستطيع ان نتمنى بان تختفي الامور السيئة. و لكن الواقع لا يمكن اغفاله. دخل الفرد القومي في السعودية انخفض من 28,600 دولار في عام 1981 الى 6,800 في عام 2001. التزايد السكاني ارتفع بشكل شديد مما جعله من بين الاعلى في العالم. جهاز الشرطة هناك فاسد و حكم القانون لديهم صوري. دون شك، تعتبر السعودية الاولى في الاعدام بقطع الرؤوس بشكل علني، يتم ذلك في مكان في الرياض يعرف شعبيا باسم ميدان قطع الرؤوس. تهريب الاسلحة من و الى البلد امر روتيني. اخذاً في الحسبان المبالغ الضبابية الغير مصرح بها في الميزانية و التي تصرف على الدفاع، تصرف السعودية من دخلها القومي على السلاح اكثر من أي دولة اخرى في العالم (بعضهم يقدر هذا الصرف ب 50 % من اجمالي ايرادات البلد)، و اسرة ال سعود يعتبرون ذلك مهم لحمايتهم الشخصية. النظام يقع تحت التهديد من قبل جيرانه الذين يتزايد عدائهم له و آخرين عاقدين العزم على العداء و مقيمين في الداخل. الدعاة في كل اجزاء المملكة يدعون للجهاد ضد الغرب – و هذه تسمية تشمل بشكل واضح حتى الاسرة المالكة – كلام لاذع و شبيه بما كان يسمع في ايران خلال تصاعد الثورة هناك. الدراسات الدينية في المملكة اصبحت ارض خصبة للاسلام العسكري. الهجمات الاخيرة في كل من بالي و البوسنة و الشيشان و كينيا و الولايات المتحدة الامريكية و كذلك العساكر الذين هوجموا بشكل شخصي في السعودية، كل هذه الهجمات تشير الى هذه المدارس – و الى اسرة ال سعود بذاتها، و التي كانت خائفة من انتفاضة ضدها فقامت بضخ مبالغ نقدية على الاصوليين في محاولة لنقل انتباههم إلى الخارج.
كأمثلة حديثة على الدعم السعودي للاصولين في الخارج. في سنة 1997 قام عضو على مستوى عالي في الاسرة المالكة بترتيب صفقة قيمتها 100 مليون دولار لطالبان. في لوس انجلس، اثنان من الخاطفين في سبتمبر 11 قابلوا سعودي يعمل في شركة متعاقدة مع وزارة الدفاع. اقتحام شقة شخص مشتبه في علاقته بالمختطفين كشف تورط دبلوماسي سعودي يعمل في الشئون الدينية في سفارة برلين. يشاع ان غالب الستمائة و خمسون معتقل في قاعدة جوانتنامو البحرية في كوبا و الذين بحسب كلام وزير الدفاع رامسفيلد "اسوأ الاسوأ" ، هم سعوديين.
لقد خدمت لمدة واحد و عشرون عاماً في ادارة العمليات في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) في الشرق الاوسط، و خلال سنوات تواجدي هناك آمنت بافتراض حكومتي المبسط ان اسراف صرف اسرة ال سعود على الاسلحة و الامن الوطني تعني ان القوات المسلحة الخاصة بالاسرة و الحرس الخاص يوفرون الحماية لأفراد الاسرة و نفطهم. "الاسرة الملكية مثل اصابع اليد،" يقول زملائي في وزارة الخارجية "هددهم و يتحولون الى قبضة ضاربة". انا لم اعد اصدق ذلك. السعودية تتحول و بشكل مفزع الى دولة غير عقلانية. يفاجئك العدد الكبير من السعوديين بما فيهم اعضاء من الاسرة المالكة، الذين يرون ان توقيف ضخ النفط السعودي للاسواق العالمية و لمدة سنوات - و رغم خطر ذلك على تدمير اقتصادهم - خيار مقبول لإبقاء الوضع الحالي على حاله.
أصبحت المملكة العربية السعودية دولة رسمية منذ سنة 1932 فقط، عندما تمكن القائد القبلي عبد العزيز ال سعود من السيطرة على معظم شبه الجزيرة العربية، و سمى الاقليم باسم عشيرته و اعلن نفسه ملكا. لكن اسرة ال سعود كانت ذات قوة و نفوذ في المنطقة منذ القرن الثامن عشر، عندما اسس رجل الدين المتشدد محمد بن عبد الوهاب الحركة الوهابية المتزمتة في الدرعية (بالقرب من الرياض) و عقد صفقة مع حاكمها محمد بن سعود. اسرة ال سعود تقدم القيادات و الوهابيون يقدمون الجنود. الى وقت قريب، كان ذلك زواج من زيجات الجنة.
لو قدر لي ان اختار اللحظة التي بدا التفكك الحقيقي لأسرة آل سعود، لاخترت اللحظة التي تعرض فيها فهد بن عبد العزيز – الملك منذ 1982 – لجلطة كادت ان تودي بحياته في سنة 1995. بمجرد سماع الأسرة عن الجلطة، أعلنوا حالة الطوارئ. أصبحت أصوات الطائرات المروحية وأصوات أبواق الإنذار للمواكب المتزاحمة على المستشفي حيث اخذ فهد، تسمع من كل أرجاء الرياض.
من أول الواصلين إلى المستشفى الجوهرة الابراهيم، زوجة فهد الرابعة و المفضلة، و ام ابنه المدلل و المصاب بجنون العظمة ذو التاسعة و العشرون عاما عبد العزيز – او "عزوزي" كما سماه فهد. كل من يعرف كيف هي الامور في البلاط الملكي يعرف مدى اعتماد فهد على الجوهرة و التي تبدأ خدماتها له من تذكيره بعلاجه الى معالجة المشاكل المعقدة للسياسة الخارجية. اذا اراد أي من الامراء الحصول على عناية فهد بأمر ما و بشكل فوري، ما عليه الا الاتصال بالجوهرة. بالنسبة لبعد العزيز، كان اصغر ابناء فهد و تفاحة عينه. قام فهد بتدليله في كل شيء. دارت قصص حول سياقة عبد العزيز لدراجته النارية الامريكية المميزة ((Harley-Davidson داخل قصر والده و ملاحقة الخدم و تحطيم الاثاث. اكثر الامراء وجدوا التدليل الملكي غريب. عبد العزيز كان ببساطة تافه و جبان و ليس بالذكي. و الظاهر و رغم ذلك، فقد اعتبر فأل حسن بالنسبة لوالده الملك. فالعراف المفضل لدي فهد اخبره ذات مرة انه ما دام عبد العزيز بجانبه، فسوف ينعم بحياة طويلة و مرضية. و لذلك، لم يتذمر فهد حين صرف عبد العزيز 4.6 بليون دولار على القصر الضخم و مدينة الالعاب المقامان خارج الرياض، و ذلك لان عبد العزيز مهتم بالتاريخ. منشئات القصر تحوي نموذج لمكة القديمة و ممثلين يظهرون في المسجد و هم يشدون بالصلاة اربعة و عشرون ساعة في اليوم كما يوجد نسخ طبق الأصل من الحمراء بأسبانيا و المدينة المنورة و نصف دزينة من معالم إسلامية الأخرى.
التالي في الوصول الى المستشفى، في عرض عظيم للوحدة، كان اشقاء فهد – سلطان، وزير الدفاع و نايف، وزير الداخلية و سلمان امير منطقة الرياض. بالنسبة للآخرين، هم حزمة مترابطة. امهم من عشيرة السديري، علمتهم منذ صغرهم ان يبقوا متماسكين مع بعضهم و الا خاطروا بان يدفعوا جانباً من قبل اخوانهم من ابيهم الأربعون الغير أشقاء.
الأمراء الآخرون – أحفاد و ابنا أحفاد ابن سعود – هرعوا إلى المستشفى ايضاً من جميع ارجاء المملكة و العالم. ازدحم مطار الرياض بالطائرات الخاصة. لم يتمكن هؤلاء من رؤية فهد و لكن قربهم من مكانه جعلهم يصلون الى معلومات موثوقة عن الاوضاع و، بنفس الاهمية، مكنهم من اظهار ولائهم. معظمهم هؤلاء الامراء يعيش على الهبات – رواتب ملكية – و التي تتراوح بين 800 دولار الى 270,000 دولار في الشهر. الامراء كلهم يقولون بأنهم يعرفون بأنهم يحطمون الخزنة، حيث وصل تعدادهم بين 10,000 و 12,000 فرد. هل سيقوم ولي العهد عبد الله – الاخ غير الشقيق لفهد و عمره تسعة و سبعون عام  والتالي على العرش – بتخفيض الهبات او حتى قطعها بعد وفاة فهد ؟ يجب ان يبقى الامراء قريبون ليكتشفوا ذلك.
في هذه المرحلة، كان اخوان فهد يتصلون بأطباء من الولايات المتحدة و اوربا. لم يكن مهم بالنسبة لهم كيف ستكون عليه حالة فهد الذهنية او الكيفية التي ستكون عليها حياته و لكن ما همهم هو ابقاء قلبه يعمل و ابقاء جسمه دافئ. المال بالطبع لم يكن مشكلة. اخبروا الاطباء انهم على استعداد لاستئجار أي عدد مطلوب من طائرات النقل النفاثة من نوع بوينج 747 لجلب المستشفيات المتنقلة و الفرق الطبية. الاطباء لم يفهموا المنطق من كل هذا و ذلك لأنهم لا يفهمون السياسة السعودية. ما كانت تعرفه الاسرة المالكة و لم يكن يعرفه الأطباء هو ان ولي العهد عبد الله متلهف و لمدة طويلة لاستلام السلطة. الطريقة الوحيدة لتجميده في مكانه هو بإبقاء فهد على قيد الحياة – إنشاء الله، حتى يتوفى عبد الله.
عبد الله كان دائما الامير المختلف. امه كانت من قبيلة الرشيد، و الذين كانوا أعداء تاريخيين لآل سعود. ابن سعود تزوج امه لبناء علاقات مع ال رشيد. و رغم ان ال رشيد أصبحوا الآن موالين لآل سعود، إلا ان أشقاء فهد ينظرون الى عبد الله بشك و ريبة. رغم كونه تقريباً وحيداً دون مساند بين أعضاء العائلة الملكية الكبار، فقد اختار عبد الله طريقة الصحراء في الحياة، حيث لم يهتم بالترف الموجود في كل من الرياض و جدة و الطائف. كما انه لا يسافر في اجازات باذخة الي اوربا مثل الملك فهد و حاشيته الذي يصرف 5 ملايين دولار في اليوم خلال زيارته لقصره في ماربيلا على الشاطئ الاسباني. يفضل عبد الله قضاء وقته في خيمة في الصحراء يشرب حليب الجمال و يأكل التمر. يطعّم عبد الله كلامه بماثور كلام البدو و مصطلحاتهم. قام عبد الله بتربية جميع اطفاله على عادات و تقاليد الصحراء. عبد الله هو الشخص الذي نادى مؤخراً بشكل علني بإصلاحات ديمقراطية، و كبح جماح رجال الدين المحافظين و نادى بالتحرر العسكري من الولايات المتحدة.
تكره الأسرة الملكية تذكيرها بأنها هجرت جذورها البدوية، لكن كرهها اكبر لمحاولات عبد الله الحد من الفساد و الهبات الملكي. تشبهاً بالأمراء الكبار، توقعات الامراء الصغار المالية كبيرة، حيث ان مخصصاتهم المالية غير كافية. الجيل الثالث من الامراء يحصلون فقط على 19,000 دولار في الشهر – و يعتبر هذا المبلغ جزء صغير مما يحتاجونه لتامين حياتهم المنشودة. لإبقاء يخت صغير على شاطئ الرفيرا يحتاج الامير الى مليون دولار في السنة. ماذا يجب عليهم فعله ؟ لتحقيق رغباتهم، اصبحوا يغوصون في اعمال كريهة مثل الارتشاء من شركات المقاولات (بشكل رئيسي مع عائلة ابن لادن) و السعي للحصول على عقود حكومية و الدخول في عقود تسلح و مصادرة املاك العوام و بيع تأشيرات عمل للاجانب. كما توصلوا لحيلة جديد و هي ان يقترضوا من البنوك التجارية و يرفضون السداد. و لا يظهر ان العائلة يمكن لها ان تؤدب ابنائها او تجعلهم يشعرون بالعار مما يفعلون. الامراء كثر بحيث ان بعضهم لا يعرف البعض الاخر.
عبد الله لم يخفي نواياه بإنهاء السرقات عندما يصبح ملك – و يبدو لوهلة انه قد يبدأ بهذه الإصلاحات حتى قبل تقلده منصب الملك. في منتصف 1990، عندما كانت السعودية تواجه وضع مالي مخيف، تمكن عبد الله من اقناع الملك فهد بان يعين مجموعة قليلة من الوزراء الاصلاحيين. في البداية، طلب منهم عبد الله ان يركزوا على الهبات و المصادرات. المصادرات اصبحت شائعة بين الامراء الصغار بحيث انهم عزلوا و بشكل كامل طبقة التجار التقليديين و الطبقة الوسطى الغير متمرسة. حيث يمكن لأمير ان يدخل الى مطعم و عند رؤية ان المطعم يعمل بشكل جيد، يكتب شيك ليشتري المحل، المبلغ المكتوب عادة اقل بكثير من سعر السوق. و لا يمكن للمالك ان يفعل أي شيء. يعرف المالك انه اذا قاوم الصفقة فسوف يسجن بتهمة الغش.
الامراء الكبار استخدموا مراكزهم الحكومية للقيام بنفس الاعمال لكن على مستوى اكبر. يقوم احدهم باختيار قطعة ارض قيمة – قد تصلح لعمل مجمع تجاري او شارع جديد – و يطلب من المحكمة ان تستقطعها لصالح الدولة و هذا يزيل العوائق من طريق منحها اياه من قبل الملك. المبالغ التي يتم جنيها رهيبة، و الامراء الكبار اعتمدوا على هذه الطريقة للمحافظة على ميزانياتهم المتضخمة بشكل متزايد. في وجهة نظر عبد الله، الاملاك التي تم الحصول عليها بصفقات ملتوية و اشباهها ما هي الا جزء يسير من المشكلة. الصفقات التي تتم خارج الميزانية كانت تشكل جزء اكبر بكثير. في المصروفات خارج الميزانية، تذهب ايرادات مبيعات النفط مباشرة الى حساب خاص، و تتجاوز فيه خزينة الدولة بالكامل. ثم، تستخدم هذه الاموال لتمويل مشاريع تتراوح بين مشتريات دفاعية و تشييد منشات، و بدون أي محاسبة او تدقيق حكومي من أي نوع كان. تكون العمولات و الرشاوى في هذه الصفقات هائلة.
كمصلح، تم ابقاء عبد الله خارج الدائرة الضيقة الملتفة حول فهد بعد ما اصيب بالجلطة. الانزعاج من عبد الله داخل العائلة كان عميق جداً بحيث انهم كانوا يوجهون له اللوم بأنه هو السبب في هذه الجلطه. في احدى القصص يقال ان فهد و عبد الله كانا يتشاجران عبر الهاتف في من سيحضر اجتماع لمجلس التعاون الخليجي في عمان. اساساً كان القرار غير مهم، لكن العلاقة بين الرجلين اصبحت قاتلة بحيث ان غضب فهد ادى الى هذا الحدث. اشاعة اخرى كانت تدور و تقول ان فهد و عبد الله كانا يتشاجران حول ما هما دائماً مختلفان عليه – الانهيار المالي الوشيك. كانت هناك همسات تقول ان عبد الله و بشكل متعمد اثار فهد و هو عارف بوضعه الصحي و انه لا يستطيع تحمل الصراخ عليه.
اخيرا، اصبح واضحاً بان فهد سوف يعيش، و لكن مدى اعاقته اصبحت هي الاخرى واضحة – في احدى المرات بعد الجلطة بفترة وجيزة و خلال جلسة علاج، تبرّز فهد في بركته بشكل محرج امام الاسرة. لقد تأثر عقله ايضاً. الاشخاص القريبين منه يعرفون بأنه لا يستطيع ان يحكم مرة اخرى، رغم انه يقدم في المناسبات الرسمية.
بعد سنة و نصف من الجلطة وصل حد احتقار سلطان لعبد الله انه توقف عن حضور جلسات مجلس الوزراء التي يرأسها عبد الله. بالنسبة لعبد الله، كان الشعور متبادل. في يوليو من سنة 1997، قام بتجاوز مجلس الوزراء، و الذي يفضل السديرية بشكل كبير، و حاول الوصول الى فهد للتوقيع على مرسوم و قوانين اعتقد انها تحتاج الى تمرير. تكتلت كل من الجوهرة و عبد العزيز لإحباط محاولته.
يجب الانتباه إلى أن باقي عشيرة فهد ليست متوحدة. قد يكون سلطان و سلمان و نايف قد وصلوا إلى المستشفي سويا ليظهروا تماسكهم، لكنهم صدموا بعنف عندما دخلوا من الباب الأمامي. قامت الجوهرة و عبد العزيز بمنعهم من رؤية اخيهم. اقام الاثنان (الجوهرة و عبد العزيز) مخيم خارج غرفة فهد في المستشفى و كانا يقرران باستهزاء من يستطيع او لا يستطيع الدخول. و هذا كان يشمل وزراء و امراء كبار و أطباء و مقدمي عرائض و قوانين و كل شيء اخر.
وراثة الحكم في السعودية لا تعتمد على اختيار الابن البكر. التقليد هو ان يجتمع الامراء الكبار و يتفقون على من هو التالي، و عادة يختارون واحد من بينهم و الذي يعتقدون ان لديه الخبرة و الحكمة اللازمين. الى الان، النظام خدم العائلة المالكة بشكل جيد، رغم ان عبد الله اصبح يزعج جميع من حوله، لكن اخوان فهد خائفون ان يقوم عبد العزيز بمحاولة التحايل على التقاليد و يضع نفسه في مكان عالي على خط الورثة. من ناحية، اصبح يقحم نفسه بشكل متزايد في امن البلد، من الشئون الخارجية الى الاستخبارات. حتى الامريكان لاحظوا ذلك. عندما زار الجنرال بنفورد بيي - قائد القوات الامريكية في الشرق الاوسط – الرياض لمقابلة فهد في يوليو 1997 فوجئ عندما وجد عبد العزيز جالس بجانب فهد و يهمس في اذنه. اين عبد الله ؟ ماذا حدث لسلطان ؟ بنفورد بيي قابل عبد الله بشكل منفصل و حتى عبد الله لم يتكلم عن المواضيع المطلوبة.
ما كان يقلق اعضاء الاسرة هو ان عبد العزيز كان يمول مطالب الوهابيين المتطرقة مما يكسبه القوة و الشعبية كنتيجة. كانوا يعتقدون ان هذه الاموال تذهب الى رجال دين و مطالب مرتبطة باسامة بن لادن. بطبيعة الحال، لم يكن ما يفعله عبد العزيز هو من منطلق ديني انما كان يغازل بهذه الخدمات، الوهابيين الذين يعرف انه سوف يحتاج لدعمهم ليكون الملك. في سبتمبر 1997، ساعد عبد العزيز في اكمال صفقة بمبلغ 100 مليون دولار مساعدة لطالبان، رغم ان طالبان كانت تحمي ابن لادن – و هو الرجل الذي ليس فقط اخذ على عاتقة اسقاط حكم ال سعود ولكن الظاهر انه و بشكل متزايد قادر على فعل ذلك. عبد العزيز كان يشتري الدعم اينما يمكنه ان يفعل ذلك. في ديسمبر 1993 فوض عبد العزيز لدفع مبلغ 100,000 دولار لمسجد في مدينة كنزاس. في 15 سبتمبر 1995 قام بافتتاح اكاديمية الملك فهد في بون، و بعد يومين من ذلك، اوقف مسجد جديد هناك. بعد تسعة ايام من ذلك، قام بدعوة رئيس الجمعية الاسلامية في اسبانيا، منصور عبد السلام، الى الرياض. في مايو 1996 رتب هو و الجوهرة ان يقوم الملك فهد بإطلاق سراح محمد الفاسي من السجن. الفاسي كان مسجون بسبب معارضته لحرب الخليج و تواجد القوات الامريكية في السعودية، أي ان الفاسي كان يشارك ابن لادن في شكواه الرئيسية . تمكنت الصحافة اخيراً في ديسمبر 1999 من تبيان ولع عبد العزيز في دعم المطالب الاسلامية المتطرفة و قامت بكشف لحساب محلي ترجم من قبل خدمات الترجمة الامريكية لاحظت ان عبد العزيز كان يمول رفيق لابن لادن، سعد البريك، و الذي بدوره كان يعطي هذه الاموال للجماعات الاسلامية التي كانت متخصصة في قتل الجنود و المدنيين الروس في الشيشان. نايف وعد بان يضع حد لتصرفات عبد العزيز و يضبط جمعيته الخيرية – و لكن الظاهر انه لم يفعل أي شيء.
خلال التسعينات استمرت العائلة الملكية في النمو. قد ينجب الامير اربعين الى سبعين طفلاً خلال حياته المفعمة بالجماع، الا ان الموارد التي تدعم العدد المتزايد من السكان لهذا الامير كانت تتناقص، ليس فقط بشكل نسبي بل بشكل مطلق. الامراء الصغار يحاولون الصعود الى الاعلى، يحتكون بالأمراء الكبار الذين وصولوا الى اواخر السبعينات و الثمانينات من العمر. الملك فهد العاجز سوف يصبح في الثمانين هذا العام، ولي العهد عبد الله سوف يصبح عمره تسعة و سبعون. اكثر متآمري البلاط الملكي نشاطاً اصبحوا في السبعينات من عمرهم.

اعضاء بيت ال سعود بلغوا حالياً 30,000 فرد. العدد سوف يكون 60,000 خلال جيل واحد، و قد يكون اكثر من ذلك بكثير. اعتماداً على مصادر موثوقة، هناك قصص و اقاويل ان العائلة المالكة مهووسة بالمقامرة و الخمور و الدعارة و الحفلات. العمولات و المصادر الاخرى اصبحت من المسلمات لتمويل رذائلهم. ماذا يجب ان يكون عليه سعر النفط في سنة 2025 لكي يفي حتى بامتيازاتهم الاساسية جداً؟ على سبيل المثال، يتمتع افراد الاسرة المالكة بتذاكر مجانية لأي مكان في العالم على الخطوط السعودية. عندما يصل عددهم الى 60,000 او 100,000، هل سيبقى هناك أي مقعد لعامي يرغب السفر من الرياض او جدة ؟ المصلحين في الاسرة المالكة يتكلمون عن التقليل من هذا الترف، لكن ذلك امر عسير.
السعودية لديها أكثر الأنظمة تطورا في مجال رفاهية السكان، نوع من الجنة المتضادة مع النظام الماركسي للعمال. السعوديون يحصلون على العلاج مجاناً و يحصلون على قروض بناء و قروض استثمارية دون فوائد. التعليم الجامعي مجاني في المملكة، و مدعوم بشكل كبير في الخارج. في واحدة من اكثر المناطق جفافاً في العالم، الماء يعتبر مجاني. الكهرباء و السفر بالجو داخلياً و الوقود و خدمات الهاتف متوفرة و بأسعار اقل بكثير من كلفتها. كثير من الاشخاص الاكثر تعلماً و ذكاءً في المملكة – الاكثر حظاً في التعليم و نظرياً، الاكثر جاهزية لعالم الاعمال – ليس لديهم الدافع للقيام بأي عمل. ربع سكان المملكة و اكثر من ثلث المقيمين بها عمرهم يتراوح بين خمسة عشر عاماً الى اربعة و ستون عاماً، يسمح للاجانب بدخول المملكة للقيام بالأعمال القذرة في المجال النفطي و الخدمات المنزلية، و لكن ايضاً لبرمجة كمبيوتراتهم و لإدارة مصافي نفطهم. سبعين بالمائة من جميع الوظائف في السعودية و حوالي تسعين بالمائة من وظائف القطاع الخاص يشغلها اجانب.
بين الرجال على الأقل، التعليم مرتفع بشكل يثير الاعجاب، خاصة ان ذلك يحدث في مكان كان منذ ثلاثة اجيال مسكون غالباً ببدو قبليين. خمسة و ثمانون بالمائة تقريباً من السعوديين الذين يبلغون من العمر خمسة عشر سنة او اكثر يستطيعون القراءة و الكتابة، بالمقارنة بنسبة سبعين بالمائة للنساء في نفس الفئة العمرية. لكن بسبب وضع النظام التعليمي في السنوات الاخيرة في يد الوهابيين الاصوليين، كنوع من الاسترضاء لهم و الذي بموجبه يأمل الكثير من اعضاء الاسرة المالكة ان يتوجه عدوان هؤلاء الاصوليين الى اهداف خارجية، نتائج التعليم اصبحت ضعيفة و لا يمكنها ان تصلح لمقارعة عصر التقنية و الاقتصاد العالمي. في الوقت الحالي، كل ثلاث شهادات دكتوراه بينها اثنتان في مجال الدراسات الدينية. الدكتوراه تمنح بشكل نادر في تخصصات علوم الكمبيوتر و الهندسة و التخصصات الاخرى في مجال الصناعات العالمية. الشباب السعودي يدرس لكي يأخذ دورة في عالم سوف يوجد في حالة نجاح الوهابيين الجهاديين في ارجاع عقارب الزمن ليس لبعض العقود بل لبعض القرون للوراء.

ثم ان هناك المشكلة السكانية. السعودية لديها اكبر نسبة تكاثر سكاني في العالم خارج افريقيا – 37.25 مولود لكل 1,000 من السكان في العام الماضي، بالمقارنة مع 14.5 لكل 1,000 في الولايات المتحدة. سبعة و تسعون في المائة من السعوديين هم في عمر يساوي او اقل من اربعة و ستون سنة، و نصف السكان اقل من ثمانية عشر عاماً من العمر. هذا الوجود الكثير لأشخاص في سن العمل، خصوصا و الكثير منهم دخل في هذا السن من وقت قصير، شكل ضغط مهول على الاقتصاد – يشار الى ان الاقتصاد ليس مصمم لهؤلاء الراغبين في العمل فعلاً مقارنة بطبيعة هذا الاقتصاد الذي يؤمن رزق اولئك الذين يصرفون جهودهم للتأمل في المعاني الاصلية للقران الكريم. الطبقة الوسطى هي استقرار في أي مجتمع. في السعودية، الطبقة الوسطى تتآكل.
إدارة أكثر نظام رفاهية متطور في العالم يتاثر بشكل كبير بالتذبذب في أسعار النفط.
في عام 1981، عندما كان الجميع و كأنه يعيش على الاعانات، كان النفط يباع بسعر يقارب 40 دولار للبرميل، و كان دخل الفرد القومي السنوي 28,600 دولار.
بعد عقد من ذلك، و قبل ان يحتل العراق الكويت، كان أصحاب مصافي التكرير بامكانهم شراء النفط بسعر 15 دولار للبرميل. حرب الخليج زادت الأسعار إلى حوالي 36 دولار للبرميل قبل ان تسقط و بشكل سريع. اليوم، عاد سعر النفط الى حوالي 40 دولار، و لكن عشرون سنة من التضخم، يضاف لها التفجر السكاني خفض دخل الفرد القومي السنوي الى اقل من 7,000 دولار. بسبب كون النفط يشكل 85 % من الايرادات الاجمالية للسعودية، كل زيادة بمقدار دولار واحد في اسعار النفط تؤدي الى زيادة دخل المملكة بمقدار 3 بلايين دولار. في بداية عام 1980 كان احتياطي المملكة من النقد 120 بليون دولار، اليوم الرقم يقدر بحوالي 21 بليون دولار.
مع كل هذه القوى المتوعدة، يتصور الشخص ان كل الخرائط لدي المسئولين في واشنطون يوجد بها علم احمر موضوع على الرياض للتذكير بان السعودية هي في غرفة العناية المركزة. الحقيقة عكس ذلك. قبل 11/9 لم تصدر الولايات المتحدة أي تقرير يشير الى المشاكل الامنية الواضحة للامريكيين الذين يسافرون الى السعودية. لم تنصح الحكومة الامريكية عوائل الامريكان المقيمين في السعودية ابداً بالمغادرة. بحسب المسئولين في واشنطن، حتى اليوم تعتبر البلد مستقرة: حكومة السعودية مسيطرة على الحدود بشكل غير قابل للنقاش، قوى الشرطة و الجيش كفاءتهم و ولائهم عالي، و شعبهم يلبس و يأكل و متعلم بشكل جيد.
تأملوا الطريقة التي تتبعها وزارة الخارجية لإعطاء المواطنين السعوديين تأشيرات. حتى 11/9 لم يكن يطلب من السعوديين حتى ان يحضروا الى القنصلية الامريكية في الرياض او جدة لعمل مقابلة اعطاء التأشيرة. تحت نظام يسمى بنظام التأشيرة السريعة، يجب على السعودي فقط ان يرسل جواز سفره مع الطلب و كلفة التأشيرة من خلال وكيل سياحي. هذا يعني ان الوكيل السياحي كان يمثل الحكومة الامريكية. أي سعودي يملك المال يمكنه ان يحجز رحلة الى نيويورك بعد انتظار لا يتجاوز عشرين ساعة. حتى وقت قصير، كان السعوديين مستثنين من تطبيق النظام الخاص بمكافحة الارهاب و الذي كان مطبقاً على رعايا دول اخرى من الشرق الاوسط، رغم حقيقة ان معظم الارهابيين في 11/9 كانوا سعوديين.
"الحكومة السعودية و على كل المستويات واصلت التأكيد بالتزامها بمحاربة الارهاب" اكد على ذلك بجدية التقرير الصادر من وزارة الخارجية سنة 1999 و الخاص بأساليب الارهاب الدولي. واصل التقرير تأكيده "واصلت الحكومة السعودية تحقيقاتها في تفجيرات يونيو 1996 في ابراج الخبر." هذا لم يكن صحيح، الامير نايف، وزير الداخلية السعودي المقيت، سوًف في التحقيقات لمدة سنوات. اخبر نايف الامراء السعوديين الكبار بأنه كان غير راغب في مساعدة الامريكان في تحقيقات تفجير الخبر. في اجتماع ساخن اغفل فيه نايف وزير الدفاع سلطان عندما حذره سلطان ان الوقوف في وجه مكتب التحقيقات الفدرالية (FBI) سوف يخلق صدع مع الولايات المتحدة. ليثبت نايف وجهة نظرة، تجنب نايف مقابل مدير مكتب التحقيقات الفدرالية (FBI) لويس فريه عندما جاء الى السعودية ليرى ما يمكن عمله لتنشيط التحقيق في تحقيق الخبر. نايف جعل نفسه بعيد المنال و هو في يخته الراسي بعيد على شاطئ جدة في البحر الاحمر و اوكل المهمة البغيضة الى اثنان من صغار الموظفين العاملين في خدمات الامن الداخلي و الذين لا يعرف أي منهما أي شيء عن تحقيق الخبر.
حتى بعد الهجومين على السفارة الامريكية في سنة 1998 في كل من كينيا و تنزانيا و الذين نظمهما اسامة بن لادن المقيم في افغانستان، لا يزال الامراء السعوديون يواصلون مساعدتهم لطالبان و الداعم الرئيسي لطالبان في المنطقة، باكستان. لم يكن ذلك سراً: في يوليو 2000 في مجلة بتروليوم انتلجنس ويكلي
((Petroleum Intelligence Weekly و التي تسمي نفسها "انجيل" الصناعة البترولية الدولية، اصدرت تقرير بان السعودية كانت ترسل 150,000 برميل نفط يومياً الى افغانستان و باكستان خارج بنود ميزانيتها كمساعدة خارجية و كانت قيمتها مليوني دولار يومياً. يضاف الى ذلك ان الولايات المتحدة كانت تعلم منذ سنة 1994 ان السعوديين كانوا يدعمون البرنامج النووي الباكستاني، و الذي يقدر ان الدعم فيه يفوق بليون دولار. في الآونة الاخيرة، و لان القانون السعودي يمنع الوكالات الاجنبية من التحقيق المباشر مع الرعايا السعوديين، لم يسمح لمكتب التحقيق الفدرالي (FBI) بمقابلة المشتبه بهم السعوديين بما فيهم اسر الخمس عشر مختطف بشأن اعتداء 11/9. لأكثر من سنة بعد سبتمبر 11، رفضت السعودية اعطاء قائمة ركاب مسبقة لرحلات قادمة الى الولايات المتحدة – و التي كان يمكن ان تؤدي الى خرق امني اساسي و خطير. رغم ان هنالك الكثير من اعضاء محتملين في تنظيم القاعدة ينتظرون المحاكمة، الا انه و حتى كتابة هذا التقرير، لا يوجد في السعودية أي اعتقال لسعودي له علاقة بسبتمبر 11 – و ليس هناك حتى شاهد واحد ذو شأن.
بالنسبة لوكالة المخابرات المركزية (CIA) فقد تركت الامر لوزارة الخارجية و قررت ببساطة ان تتجاهل السعودية. فعلى سبيل المثال، لم توظف الوكالة أي دبلوماسي سعودي ليعلمنا عن نوايا قسم الشئون الدينية في السفارات السعودية. ادارة المعلومات في الوكالة تجنبت كتابة التقديرات الوطنية للمعلومات – و التي هي تقديرات يتم جمعها من مجموعة من الخدمات استخباراتية امريكية عن مناطق الازمات المتوقعة – عن السعودية، لعلمهم ان تقديرات مثل هذه، و خصوصاً اذا كانت سلبية، يتوقع ان تنشر على الصفحات الاولى للجرائد الامريكية، حيث يمكن ان يكون لها اثار غير مرغوبة في الرأي العام. خط وكالة الاستخبارات المركزية اصبح مشابه لخط وزارة الخارجية: لا حاجة للقلق على السعودية او مخزونها النفطي.
لا داعي للقلق، طبعاً، هنالك صفقات كالعادة – و لمدة عقود كان يقصد بذلك ان كل الاشخاص المهمين في الادارة الامريكية تقريباً كان مرتبط بشركات انجزت صفقات كبيرة مع السعودية. صرف مبالغ ضخمة كان تكتيك في علاقة الولايات المتحدة بالسعودية و تقريباً منذ بداية هذه العلاقة: الامريكان سيشترون النفط السعودي و يؤمنون الحماية و الامن للسعوديين، و السعوديين يشترون الاسلحة الامريكية و خدمات الانشاء و انظمة الاتصال و ادوات الحفر. في لعبة الاقتصاد العالمي يسمى ذلك اعادة التدوير، و في هذه الحالة تم احراز نجاح جيد: التجارة المتبادلة بين السعودية و الولايات المتحدة نمت من 56.2 مليون دولار في سنة 1950 الى 19.3 بليون دولار في سنة 2000 – معدل نمو سنوي قارب 70 %.
تأمل قضية مجموعة كارليل – شركة استثمار خاص اسست سنة 1987، و التي منذ بدايتها و هي تحقق ارباح هائلة لأعمال تتم مع السعودية. من سنة 1993 الى سنة 2002 رئيس مجلس ادارة كارليل كان فرنك كارلوشي، و الذي خدم اولاً كمستشار للامن القومي في عهد رونلد ريجان ثم كوزير دفاع. المستشار الرئيسي لكارليل هو جيمس بيكر، و الذي خدم كوزير خارجية في عهد حورج بوش الاب – و الذي هو بدوره و بعد فترة حكمة عمل كمستشار لشركة كارليل. و من الشخصيات الاخرى التي عملت في كارليل، ارثر لفيت، رئيس وكالة السندات و التبادلات Security and Exchange Commission – و هي الوكالة المسئولة عن تنظيم تجارة السندات الامريكية – في عهد بل كلنتون و هو الان مستشار رئيسي في شركة كارليل، و جون ميجر، رئيس وزراء سابق في بريطانيا و حاليا رئيس مجلس ادارة كارليل في اوربا، و وليام كنارد، و الذي رأس وكالة الاتصالات الفدرالية خلال فترة الرئاسة الثانية لادارة بل كلنتون، عفسانة مشياخيبسكلوس، رئيس الخزانة السابق و رئيس الاستثمارات في البنك الدولي، و رشارد دارمن و الذي يراس مكتب الادارة و الميزانية تحت رئاسة بوش و خدم ايضاً كمساعد وزير المالية في فترة حكم ريجن.

كارليل هي ليست الشركة الوحيدة في هذا الخط من الاعمال. هاليبورتون، التي يديرها دك شيني بين فترتي عمله المحدودة كوزير دفاع في عهد جورج بوش الاب و نائب رئيس في عهد جورج بوش الابن، كان متعود على الاستفادة من المال السعودي. في اواخر 2001 توصلت هاليبورتون الى عقد بقيمة 140 مليون دولار لتطوير حقل نفطي سعودي. لعدة سنوات، خدمت كوندليسا رايس ، و هي حاليا مستشارة الامن القومي للرئيس بوش، خدمت في مجلس ادارة شفرون و التي اندمجت في سنة 2001 مع تكاساكو. الشركة الجديدة شفرون-تكساكو، هي شريك لارامكو السعودية في عدد من الاستثمارات و قد انضمت الى شركة نمر بتروليوم لتطوير حقول نفط كزاخستان. و في مجلس ادارة شفرون-تكساكو حالياً كارلا هلز، و التي خدمت كوزيرة للتنمية الحضرية في عهد جيرالد فورد و ممثلة التجارة الامريكية في عهد جورج بوش الاب، و السناتور السابق للويزيانا جي بينت جونسون و الذي تخصص في شئون الطاقة خلال وجودة في الكونجرس، و السناتور السابق لجورجيا سام نون و الذي خدم كرئيس للجنة الخدمات الحربية في مجلس الشيوخ.
في مكان اخر، خدم كل من نيكولاس برادي، وزير الخزانة تحت رئاسة بوش الاب، و ادث هوليدي مساعد سابق للرئيس بوش الاب، خدما في مجلس ادارة شركة امندا هس و التي اقترنت مع العناصر الاكثر نفوذاً في الاسرة المالكة السعودية لاستغلال مصادر النفط الاذربيجانية. في سنة 1998 شكلت امندا هس شراكة مع الشركة المملوكة سعودياً دلتا اويل و سميت الشركة الجديدة ، دلتا هس، و عملت لاكتشاف و استغلال مصادر نفطية في اذربيجان. شركة فرنتيرا رسورسز الموجودة في هيوستن انضمت الى صيد اذربيجان في نفس السنة، حيث انها انضمت الى فريق دلتا هس. من بين مستشاري ادارة فرونتيرا: السناتور السابق عن منطقة تكساس و وزير الخزانة السابق، و المرشح لنائب الرئيس عن الحزب الديمقراطي سنة 1988 لويد بنتسن و جون دوتش المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية.
للتأكد من ان لا احد يكدر سير هذا النظام، ربما من قبل احد يقوم بحشر انفه في الشئون الداخلية السعودية، تودع السعودية حالياً ما يقرب من ترليون دولار في البنوك الامريكية – بحسب اتفاقية ابرمت في بداية الثمانينات مع ادارة الرئيس ريجن في محاولة لجعل السعوديين يعوضون عن العجوزات في الميزانية الامريكية. كما يستثمر السعوديون ترليون دولار اخرى في اسواق السندات و الاسهم الامريكية. كل هذا يجعل لهم نفوذ كبير في واشنطن. لو انهم سحبوا جميع اموالهم و بشكل مفاجئ من البلد، فسوف تكون النتيجة، رغم انها اقل مأساوية من قطع النفط، الا انها ستكون فتاكة.
العلاقات الامريكية السعودية لم تكن لتكون بهذ1 الدفء لولا وساطة شخص ذو علاقة جيدة بالطرفين و يتحرك بأريحية بينهما. ذلك الشخص هو الامير بندر ذو الاربعة و خمسون عاماً. رغم ان مركزيته منخفضة في النسب الملكي (والده سلطان و هو اخو الملك فهد و وزير الدفاع، و لكن امه كانت خادمة منزل)، الامير بندر هو سفير السعودية لدي الولايات المتحدة منذ سنة 1983. هو السفير الاجنبي الوحيد الذي لديه تفاصيل امنية معينة له من قبل وزارة الخارجية الامريكية. هو سائق طائرات حربية متهور في شبابه، و مسلم يهوى الخمور، و دبلوماسي يصرف المال بلا حدود، اثبت بدر مهارته في الدبلوماسية العامة و الخاصة. كملحق عسكري للسفارة السعودية في الولايات المتحدة، فقد سجل الامير بدر ضربة مدهشة في عام 1981 عندما تمكن من اقناع الكونجرس للموافقة على بيع تقنية الدفاع الجوي اواكس الى السعودية رغم احتجاج الايبك (AIPAC) و هو اللوبي المؤيد لإسرائيل. بعد ذلك و عندما كان سفير، عبر بدر عن امتنان بلاده من خلال ايداع 10 ملايين دولار بشكل سري في بنك الفاتيكان، كما تم نشره العام الفائت في الواشنطن بوست، المال تم ايداعه بحسب طلب وليام كاسي و الذي كان يومها رئيس وكالة الاستخبارات المركزية، و هذ1 المال كان سوف يستخدم من قبل الحزب الديمقراطي الايطالي المسيحي في حملة ضد الشيوعيين الايطاليين. و بعد ذلك و في يونيو من سنة 1984، بدأ بدر بدفع 30 مليون دولار من العائلة الملكية لكي يتمكن المقدم اوليفر نورث من شراء اسلحة للكونترا النيكاراجويين.
يلمع نجم بندر بشكل خاص على الصعيد الشخصي. زيارته الصيفية في بداية التسعينات لمنزل جورج بوش الاب في كنبنكبورت في مين اكسبت الامير لقب حنون هو "بندر بوش". و رد بندر الجميل بدعوته لبوش لرحلة صيد طيور على ممتلكاته الخاصة في انجلترا. كخطوة خيرة، ساهم بندر بمليون دولار في بناء مكتبة بوش الرئاسية في كولج ستيشن في تكساس. كما ارسل الملك فهد مليون دولار اخرى لدعم حملة بندر بوش لمحاربة الامية. (هو تبرع بمليون دولار لحملة نانسي ريجن "لا للمخدرات" قبل اربع سنوات). كان بندر في يوم من الايام متزامل مع كولن باول في لعبة الراكتبول.
الصحافة صورت بندر بشكل كبير من الخارج في خلال سنوات رئاسة كلنتون، بينما هو كان يصرف الاسابيع مكتئب في مجمعه الجبلي في اسبن في كلورادو (مساحته اكثر من 50,000 قدم مربع و به اثنان و ثلاثون غرفة و ستة عشر حمام). رغم عدم تواجد بندر الدائم، الا انه نافع خلال تواجده. حيث في سنة 1992 تمكن من اقناع الملك فهد بالتبرع بمبلغ 20 مليون دولار لمركز دراسات الشرق الاوسط بجامعة كانزاس في اركانساس، و كإيماءة احترام لحاكم اركنساس و الذي تم انتخابه كرئيس للولايات المتحدة مؤخراً. و يقال انه لعب دوراً في اقناع الليبيين في سنة 1999 بتسليم اثنين من افراد استخباراتهم متهمين فتفجير طائرة بان ام رحلة 103 فوق لوكربي باسكوتنلدا سنة 1988. و كما هو معروف عنه في نهاية كل فترة رئاسية، سواء اعتبر صديق او خصم، قام بندر بدعوة كل الوزراء في ادارة كلنتون على وجبة عشاء في مطعم من اختيارهم سواء في غرفة خاصة او عامة اعتماداً على استعدادهم في ان يظهرون معه امام الجمهور ام لا.
في احد المرات، قال بندر لرفقائه انه يهتم بالمسئولين الحكوميين الامريكيين عند تركهم مناصبهم و عودتهم الى حياتهم الخاصة. نقلا عن مصدر في مجلة واشنطن بوست، قال بندر "اذا بنيت للسعوديين سمعة بأنها تهتم بأصدقائها بعد تركهم مناصبهم، سوف تستغرب من مدى قوة الصداقة التي تتشكل بينها و بين الموظفين الجدد في الادارة". عملياَ، كل صفقة مع السعوديين يصبح تتبعها صعب، حيث تفقد في العواصف الرملية في الصحراء بقرب الآبار التي نبعت منها الاموال اصلاً. كثير من اعضاء اللوبيات و شركات العلاقات العامة و المحامين يعيشون على اموال من السعودية. كل الخبراء في حكومة واشنطن تقريباً اخذوا من هذه الاموال. و كذلك فعل مركز جون كندي للتمثيل الفني، و المركز الوطني الطبي للاطفال و كل مكتبة رئاسية بنيت خلال الثلاثين سنة الماضية.
بعد فوز جورج بوش الابن في الانتخابات، سارع بندر الى البروز مرة اخرى ليتمثل موقع بين سفير و صاحب عرش دائم بزيارته للرئيس. لكن بعد 11/9 بدأ بندر يواجه صعوبات في المحافظة على انطباع ايجابي عن السعودية. في مارس الماضي، قام عملاء من ادارة الخزينة باقتحام اربعة مكاتب في شمال فرجينيا لجمعيات خيرية مكاتبها الرئيسية في السعودية: جمعية سار (SAAR)، و جمعية الصفا، و المعهد العالمي للفكر الاسلامي (IIIT)، و المنظمة الدولية للاغاثة الاسلامية. كما اقتحموا المكتب الرئيسي لرابطة العالم الاسلامي و هي مظلة لمجموعة ممولة من قبل السعودية. كل المنظمات الخمس تقع على بعد اميال قليلة من قصر بندر المطل على نهر بوتومك. اظهرت المنظمات قوائم طويلة من المساعدات الانسانية الحقيقية التي دعموها و ساعدوا فيها، و لكن لديهم ايضاً قوائم اخرى طويلة لارتباطات مشبوهة تثير القلق. شهد ماثيو ليفيت امام الكونجرس في اغسطس من سنة 2002 و هو عضو عالي المستوى في معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى، شهد بان طارق حمدي و هو موظف في المعهد العالمي للفكر الاسلامي قدم شخصياً لاسامة بن لادن بطاريات لهاتفه الذي يعمل بواسطة الأقمار الصناعية – و هذا رابط خطير باسامة بن لادن الذي يعيش في عالم لا يعترف بالجنسيات. يعتقد ان المعهد العالمي للفكر الاسلامي و جمعية سار (SAAR) يقومان بتمويل حماس و منظمة الجهاد الاسلامي في فلسطين، و هما المسئولتين عن معظم العمليات الانتحارية الدموية في الشرق الاوسط. منذ عام 1986 الى 1994 قام محمد جمال خليفة، و هو نسيب لاسامة بن لادن، بإدارة مكتب جمعية (IIRO) في الفلبين، و منه قام بتحويل مبالغ الى تنظيم القاعدة. لقد قامت الحكومة الهندية بعمل ممتاز حين اوقف شرطتها موظف اخر لجمعية (IIRO) اسمه سيد ابو ناصر من تفجير القنصلية الامريكية في كلكتا و مدراس.

في منتصف عام 2002 تم تسريب معلومات للصحافة تفيد بان مجلس سياسات الدفاع شبه الرسمي و الذي يرأسه المحارب البارد الشهير رشارد برلي، تبنى هذا المجلس تقرير يعرب ان السعودية هي جزء من الارهاب الدولي و ليست جزء من الحل. التقرير يقول عن السعودية بأنها "مركز تحطيم الذات في العالم العربي و العامل الرئيسي في ازمة العرب و في العدوان الموجه للخارج." و واصل التقرير بان "السعوديين نشطين على كل اصعدة شبكات الارهاب، من التخطيط الى التمويل، من التأطير الى التجنيد على الارض، من التنظير الى القيادة المحمسة على الارهاب." خلال ساعات من صدور التقرير، اتصل كولن باول بوزير الخارجية السعودي ليؤكد له – و من خلاله ليؤكد للاسرة المالكة – ان هذا التقرير المرتد ليس و لن يكون ممثلا للموقف الرسمي لحكومة بوش. و لتاكيد هذه الرسالة، قام بوش بدعوة بندر في مزرعة العائلة الكائنة في كراوفورد في تكساس.
و تواصلت مشكلة الصورة السلبية عن السعودية. ففي اكتوبر سنة 2001، اقتحمت قوات الناتو مكاتب الهيئة العليا للاغاثة السعودية في البوسنه، و التي اسسها الامير سلمان، و اكتشفوا، من بين اشياء اخرى، صور للسفارات الامريكية في كينيا و تنزانيا، قبل و بعد التفجيرات، و صور لمركز التجارة العالمي و للمدمرة يو اس اس كول (USS Cole)، و معلومات عن طريقة استخدام طائرات رش المبيدات، و مواد لتزوير بطاقات الهوية التي تصدرها وزارة الداخلية الامريكية. مهمة بدر لم تكن سهلة في الشتاء الماضي عندما وجد نفسه مطالب بان يبرر حقيقة ان 130,000 دولار من اموال التبرعات الخيرية لزوجته الاميرة هيفاء قد يكون انتى بها الامر في يد اثنين من المختطفين في 11/9.
مع كل هذه الاكتشافات، سافر وفد امريكي برئاسة الان لارسون وكيل وزارة الاقتصاد للرئيس بوش، سافر الى الرياض في نوفمبر الفائت، في ظاهر الزيارة ليحث السعوديين لزيادة رقابتهم على الجمعيات الخيرية و شبكتهم المالية. لكن مصادر امريكية و سعودية تقول ان السبب الرئيسي لزيارة لارسون هو للتأكد من انه اذا احتلت امريكا العراق، سوف تقوم السعودية بضمان امداد كمية اضافية من النفط في السوق العالمية. احتضان امريكا لاسرة ال سعود قوي كما هو دائما.
جواب حكومة واشنطن الى السعودية – بجانب تكرار انه ليس هناك مشكلة – هو الاقتراح عليهم ان القليل من الديمقراطية سوف يعالج كل شيء. اقناع الاسرة المالكة بالتنازل عن القليل من سلطاتها، و دعم الامراء ذوي الفكر الاصلاحي، و تشكيل برلمان نموذجي، و تعيين واحد او اثنين من مثيري المتاعب في مناصب وزارية، و السماح لحزب سياسي ثانوية، و تنظيف بعض الرشاوي، و ارسال جيمي كارتر ليراقب اول انتخابات، و خلال اجيال قليلة سوف تتحول الرياض الى انقرة او ربما الى لندن. تقول الحكومة الامريكية انه ربما ان الالية التي تستخدمها الحكومة السعودية خاطئة، لكن الاشخاص الذين يديرون الحكومة هم في اكثر الاحيان ملتزمون بإزالة الفساد، و اصطياد الارهابيين، و يعترفون بحق الناس في حكم انفسهم.
طبعاً انه كلام فارغ تماماً. لو عملت انتخابات اليوم في السعودية، و كل من شاء يستطيع ان يرشح نفسه للرئاسة، و اذا سمح للناس ان ترشح من تشأ بحرية دون قطع رؤوسهم بعد ذلك في ميدان قطع الرؤوس، فسوف يفوز اسامة بن لادن في الانتخابات بشكل ساحق – ليس بسبب ان السعوديين يرغبون في غسل ايديهم بدم قتلى سبتمبر 11، لكن و ببساطة لان ابن لادن تجرأ ليفعل ما لم تستطيع فعله حتى الولايات المتحدة: و هو الوقوف في وجه اللصوص الذين يحكمون البلاد.
السعودية اليوم هي كتلة من الفوضى التي صنعناها نحن. نحن جعلناها الخزان الخاص بتخزين احتياطياتنا النفطية. نحن جنينا فوائد امداد ثابت من النفط و بأسعار مخفضه، و نحن امسكنا بكل دولار اتى من النفط. نحن علمنا السعوديين بكل ما هو متوقع منهم. اخلاقياً، ليس صحيح ان نخلي مسئوليتنا عن نتائج هذه الافعال – و كذلك لا نستطيع اخلاء مسئوليتنا الاقتصادية. اذاً، فنحن نزعق بالديمقراطية و نتحدث عن اليوم الذي نفطم انفسنا من الاعتماد على النفط الخارجي، رغم حقيقة انه و منذ اعتماد امريكا على النفط الخارجي، لم يكن هناك أي جهد صادق و مدعوم على مستوى المسئولين الكبار في الحكومة لتقليل الاستهلاك الامريكي من النفط على المدى الطويل.
لو اجتمعت كل اماني العالم، فلن تغير الحقائق الاساسية في الوضع.
• السعودية تتحكم في اكبر حصة من النفط العالمي و تعمل كضابط لصناعة النفط العالمية.
• لا توجد دولة تستهلك النفط او تعتمد على النفط السعودي كما هي الولايات المتحدة.
• الولايات المتحدة و باقي الدول الصناعية تعتمد بشكل مطلق على الاحتياطي النفطي للسعودية و سوف تبقى كذلك لعقود قادمة.
• لو اغلقت حنفية النفط السعودي سواء من قبل الارهاب او من قبل ثورة سياسية، فسوف يكون الاثر مدمراً على الاقتصاد العالمي و بشكل خاص على اقتصاد الولايات المتحدة.
• النفط السعودي تديره اسرة ملكية متجهة للافلاس بشكل متزايد، و مجرمة، و مختلة وظيفياً، و فاقدة للشعور، و مكروهة من قبل الشعب الذي تحكمه و من قبل الدول التي تجاور مملكتها.
• إشارات الكوارث القادمة هي في كل مكان، و لكن اسرة ال سعود تصلي كي يتاجل وقت الحساب – و الولايات المتحدة اختارت ان تشيح بوجهها. اذاً، لم يتغير أي شيء: الاسرة المالكة تواصل استهلاك الخزينة السعودية، لتشتري المزيد من الأسلحة و تضخ المزيد و المزيد من اموال الجمعيات الخيرية للجهاديين، و كل تلك الجهود اليائسة لحماية النفس هي مدمرة للذات.
الحقيقة هي ان الغرب، و خصوصا الولايات المتحدة، لم يتركوا الا القليل من الخيارات للسعودية. الشركات الرائدة الامريكية توظف و تعيد توظيف سعوديين معروفين بأنهم لصوص و ممولين للارهاب لتمثيل مصالحهم، و ذلك لكي ترسي الصفقات عليهم و من ثم يرجعوا العمولات الى داخل السعودية – عمولات تودي الى تآكل الميزانية السعودية و تؤدي الى مزيد من العزلة بين الطبقة المالكة و الشعب. مدراء وكالة الاستخبارات المركزية السابقين خدموا في ادارات كان اعضائها يجب عليهم اغلاق انوفهم لكي ينجزوا صفقات مع الشركات السعودية – لان ذلك عمل، و ذلك ثمن يجب ان يدفع للوصول، و لان هذه هي الطريقة لإنجاز العمل. رؤساء سابقين، و رؤساء وزارة سابقين، و سنتورات و رجال كونجرس سابقين، و وزراء يتحركون و عطاياهم ممدودة، يتصرفون و كأنهم مشغولون بأمور اخرى و هم نادراً ما يقللون من هذه التعاملات، و ذلك لان معظمهم يعرف ان اللعبة في نهايتها. لكن في وقت قريب، و بطريقة او بأخرى، اسرة ال سعود سوف تسقط.
روبرت باير خدم لمدة واحد و عشرون عاماً في وكالة الاستخبارات المركزية و بشكل رئيسي كضابط ميداني في الشرق الاوسط. استقال من الوكالة في سنة 1997 و منح ميدالية الاستخبارات المهنية في عام 1998. هذه المقالة تم مبنية على الكتاب القادم "النوم مع الشيطان". الناشر كراون ببلشرز، و الذي سوف ينشر في يونيو. 

* مجلة ذي اتلنتك منثلي
نوفمبر 2006



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق