الخميس، 7 أبريل 2011

حوار طنطاوي المفبرك.. كارثة 7 أبريل المهنية


إلى أين نسير الأن.. ما الذي نريد أن نفعله كصحفيين مهنيين ببلدنا في هذا الوقت العصيب، ومن الذي يلعب بنا لهذه الدرجة التي تجعل صحفا رسمية وخاصة مرموقة تنشر حوارا مع حاكم مصر الحالي دون أن تتوثق من إجراءه بالأساس.
فاجئتنا صحف الصباح وبينها الأهرام والشروق وعشرات المواقع الإلكترونية وقبلها عدد من برامج التوك شو بالمساء بنقل تفاصيل حوار مطول أجراه المشير طنطاوي مع المجلة الألمانية الشهيرة "دير شبيجل" ونقلته عنها للعجب صحيفة الأنباء الكويتية لتتناقله عن الصحيفة الخليجية الصحف المصرية.

في الصباح وبعد نشر الخبر عمدت الصحف المصرية للتكذيب والإعتذار، وهو أمر محمود لو كانت تلك الصحف اتخذت قبل النشر الواجب المتبع من توثيق تقرير مهم حول حوار خطير يتحدث عن ضغوط من دول عربية بارزة على المجلس العسكريس المصري لمنع محاكمة الرئيس السابق مبارك.
 عدد من أصدقائي اعتبر الحوار "كذبة أبريل" لكني أعتبره "كارثة 7 أبريل" وهو يحمل بكل المعايير صفات الكارثة المهنية مكتملة الأركان، فالحوار مع الحاكم الحالي لمصر شخصيا وأجرته مجلة عالمية معروفة لها مكتب في القاهرة ومديره هو نفسه رئيس رابطة المراسلين الأجانب ويتحدث العربية بطلاقة كونه يعيش في مصر منذ 30 عاما كاملة، بينما أحدا من الصحف التي نقلت الحوار عن صحيفة خليجية لم يكلف نفسه عناء الإتصال بأي من طرفي الحوار "المشير أو المجلة" لتوثيقه.
الكارثة الأخطر في الأمر أن ذاكرة الصحفيين المهنيين باتت غائبة، فالحديث عن الحوار المذكور ليس جديدا حسث تم تداوله قبل أكثر من شهر تقريبا بنفس التفاصيل ووقتها نشره موقع حديث الظهور اسمه "شبكة شباب التحرير" وبدأ تداوله على مواقع التواصل الإجتماعي وشكك فيه كل من قرأه قبل أن تبدأ العديد من المواقع والصحف تداوله وبينها وقتها صحيفة "الدار" الكويتية، ويبدو أن الكويت مهتمة بالحوار وبنشره حتى تعيد صحيفة كويتية أخرى نشره مجددا.
لم ينتبه أي من القائمين على النشر في الصحف والمواقع بالإنتباه لكون الحوار المزعوم متاح ومتداول منذ أكثر من شهر وبالتالي ما قيمة نشره اليوم وكأنه حوار حديث دون الإشارة إلى التاريخ الذي سردته لكم سابقا.
الأخطر هو موقف المجلس العسكري من الحوار حيث لم يتم التعليق عليه رغم انتشاره كشائعة بشكل كبير في وقته ربما لأن أيا من الصحف المهمة لم تنشره بعكس خبر سفر مبارك إلى ألمانيا الذي نسبته بعض المواقع سابقا إلى "دير شبيجل" أيضا ليظهر أحد أفراد المجلس العسكري لينفيه مؤكدا أن مبارك تحت الإقامة الجبرية في شرم الشيخ.
ذاكرة الصحفي الغائبة فيما يخص هذا الموضوع تحديدا أغفلت أيضا جدلا حدث قبل أقل من أسبوعين عندما وزع المكتب الإعلامي للسفارة السعودية بالقاهرة وتحت ضغط اتصالات متوالية من صحافيين مصريين بيانا رسميا قال فيه إنه لا صحة على الإطلاق لما يشاع حول وجود ضغوط سعودية على المجلس العسكري فيما يخص مبارك.
ووقتها قال السفير السعودي في القاهرة أحمد قطان إنه شخصيا حضر لقاءا على مستوى مرموق بين شخصية سعودية بارزة ورئيس المجلس العسكري ولم يأت في الحوار ذكر مستقبل مبارك من الأساس، وهو البيان الذي نشرته العديد من الصحف المصرية وبينها الصحف التي نشرت اليوم مقتطفات من حوار طنطاوي المفبرك.
منذ عملت بالصحافة قبل أعوام لا أذكر اني قرأت حوار للمشير طنطاوي مع صحيفة أو مجلة أجنبية يتحدث فيه عن أمور لها علاقة بالحكم في مصر، حتى حوارات المشير النادرة كان معظمها مع صحف قومية في مناسبات قومية وكانت عادة حوارات اعتيادية لا جديد فيها رغم أن الصحف كانت تفرد لها مساحات واسعة تتصدرها عناوين كثيرة أساسية وفرعية احتفاء بمكانة الرجل ومنصبه.
ومنذ عملت في وكالة الأنباء الألمانية قبل 6 أعوام لا أذكر أن حوار نشر في "دير شبيجل" أو غيرها من الصحف والمجلات الألمانية الكبرى مع شخصية عربية مرموقة حول الشرق الأوسط وخاصة مصر إلا كان له مكان في النشرة العربية من الوكالة، بينما لا يوجد أثر لهذا الحوار المزعوم على الاطلاق.
إذن ما فعلته صحف ومواقع مصرية اليوم ليس مجرد خطأ ولا سقطة وإنما هو كارثة مهنية لا يمكن أن تمر مرور الكرام أبدا ويجب أن تكون بداية لتقييم واسع للسياسات التحريرية لوسائل الإعلام المصرية والعاملين فيها وفقا للمعايير المهنية وليس لرضا القيادات عنهم أو درجة قرابتهم من شخصية هامة وغيرها من الأمور التي نعرف جميعا كيف يتم تصعيد القيادات الصحفية بها.
أخشى أن نستمر في الحديث والانتقاد دون فعل حقيقي، كعادة المصريين الذين يهبون سريعا وينسون سريعا.. لكني أحملكم وإياي المسئولية عن سمعة الإعلام المصري الذي ينحدر سريعا رغم أنه كان علامة بارزة في تاريخ الإعلام العربي الذي تجاوزنا بسنوات لتقاعسنا عن التطوير والإهتمام بالأفراد والتفرغ لمنافقة القيادات والحكام.





يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق